الثورة أون لاين ــ سنان سوادي:
ضمن إطار تطوير هيكلية المؤسسات الحكومية ولتحقيق مبدأ الشفافية تم إحداث مكاتب صحفية في عدد من المؤسسات والمديريات وبعضها الآخر تم اسناد هذه المهمة إلى أمانة السر، لتكون جسر تواصل واتصال ما بين المؤسسة من جهة وجمهورها الخارجي والداخلي والمؤسسات الاعلامية من جهة أخرى.
يقول لورد نورنكليف أحد ناشري الصحف في بريطانيا “ما الأخبار إلا أشياء يريد شخص في مكان أن يخفيها، وكل ما سوى ذلك إعلانات”، هل تعمل المكاتب بشكل تفاعلي أم تعمل ساعي بريد؟ هل هي مكاتب إعلان أم إعلام؟ هل ساهمت في القضاء على البيروقراطية أم أصبحت جزءاً منه؟ مكاتب لنشر أخبار المدير أم المديرية؟ هل تفتح الأبواب المغلقة والأجوبة المقفلة أم لا؟ هذه الأسئلة وغيرها حاولنا الإجابة عنها من خلال التحقيق التالي.
آراء متباينة
في استطلاع لآراء المواطنين حول صفحات المكاتب على مواقع التواصل الاجتماعي أشار البعض إلى أنها فعالة كونها تقدم معلومات، وتستطيع أن تسأل عما تريد وهناك تجاوب من قبل المشرفين عليها، و قال آخرون إنهم يتابعونها فقط لأنها تنشر أخبار المسابقات والوظائف، ومنهم قال إنه يتابع صفحات المديرية التي يعمل بها ليعرف الأخبار والقرارات التي تصدر وهو لا يهتم بصفحات المديريات الأخرى، فيما رأى البعض الآخر أن دور هذه المكاتب والصفحات التابعة ينحصر بتصوير نشاطات المديرين وجولاتهم ونقل أخبارهم، وما يريد المواطن معرفته لا ينشر، ولو كانت هذه الصفحات فعالة لتحسن أداء المؤسسات كونها تتلقى شكاوى المواطنين ومطالبهم.
روتين مقصود و إجراءات معقدة
تقول الصحفية هلال لالا : بعض المكاتب الصحفية مهمتها تلميع الجهة التي تتبع لها وتبييض صفحتها، و المهام التي يفترض أن تكون أساسية تؤديها بشكل هامشي وثانوي، و أحيانا الحصول على المعلومات قد يستغرق العشرين يوماً .. و دون الحصول على الرد المطلوب.، وناهيك عن بعض الخطوط الحمراء التي يعتذرون عن الإجابة عنها أو الدخول في تفاصيلها .
و بدورها أوضحت الصحفية خديجة معلا أن التجارب مع المكاتب الصحافية ليست مشجعة حتى نبدي رأياً يمتدح آلية عملها الحالية المقولبة بطريقة الأسئلة والأجوبة المكتوبة، والتي تشبه إلى حد بعيد مبدأ النافذة الواحدة وكأننا معقبو معاملات، ننتظر توقيعاً ما.
و للحصول على المعلومات المطلوبة من المكتب الصحفي يقوم بمراسلة الأقسام المعنية والحصول على الإجابات منها، وكثيراً ما تكون مقتضبة لا تغني ولا تسمن، وكأنك يا أبا زيد ما غزيت،
كان من الممكن لهذه المكاتب أن تمد جسور الثقة مع الوسائل الإعلامية المختلفة وتشكل ظاهرة حضارية، لو أنها عملت بالمهنية التي ينبغي أن يمتلكها العاملون في هذه المكاتب التي تحولت إلى مهرب شرعي لدائرة تعتبر فرعا، وقبل أن يرى مدير هذا الفرع الصحفي يرشده إلى ضرورة مراجعة المكتب الصحفي في الإدارة العامة أو الوزارة بدمشق، وفي هذه الحال نذكر ( خُفي حُنين) وعودته.
وهناك من يرى أن المكتب الصحفي في الدوائر الحكومية هو الطريق السليم وهو الوسيط القانوني للمعلومة الموثوقة ومن خلاله يتم كسب الوقت والجهد للحصول على المبتغى بأقصر الطرق، لذلك نرى أن بعض المكاتب هي عبارة عن جزء من هذه الدائرة أي أنه ناطق رسمي بها وهنا لابد من وجود مكتب صحفي يُفرض على الدوائر ويصبح معنياً بكل ما تملك هذه الدائرة من معلومات كبيرة أو صغيرة ومسؤولاً عن مدى صحتها وصلاحيتها للنشر، وبالمقابل نجد أن مديريات معينة تعيّن المكتب الصحفي على مقاسها وناطقاً رسمياً بأهوائها وعن طريقه يمكن إظهار شيء وإخفاء أشياء أخرى.
لذلك يفترض أن يتم تعيين المكتب الصحفي لأي مؤسسة أو مديرية من قبل وزارة الإعلام مباشرة بدون تدخلات أخرى.
ومن جهته قال الصحفي حليم قاسم : كثيراً ما نصطدم خلال عملنا بالروتين والإجراءات التي تفرضها المكاتب، فالحصول على أي معلومة مهما بلغت بساطتها يحتاج لموافقة المدير، واذا أردنا الاطلاع على عمل أحد المشاريع أو الدوائر الفرعية التابعة للمديرية نكون بحاجة لموافقة من المكتب الصحفي وبالتالي حكماً من المدير، عدم إعطاء المعلومة في الوقت المناسب يفقد الخبر قيمته وأهميته، وعندما نسأل عن سبب التأخير يكون الرد أن المدير كان لديه اجتماعات مهمة أو يقوم بجولات … الخ، وعند إجراء التحقيق الصحفي يتم أحياناً حجب المعلومة تحت حجج وذرائع مختلفة أو إعطاء المعلومة غير كاملة وبذلك يفقد التحقيق جوهره والهدف الذي بني عليه.
المؤسسات الحكومية دورنا إيجابي وعملنا تفاعلي ..
عن طبيعة عمل المكتب الصحفي في مديرية الزراعة باللاذقية قالت المهندسة رغد سوسو: لا يوجد لدينا مكتب صحفي مختص، وأنا أقوم في أمانة السر بمهام المكتب من خلال متابعة ورصد كل ما ينشر عن المديرية في وسائل الإعلام كافة، وإعداد الردود المطلوبة، ونقوم بتسهيل عمل الصحفيين، أحيانا نعطي الأجوبة بشكل فوري ومباشر، ولكن الأسئلة التي تحتاج إلى عدة مصادر للإجابة عنها أو تستدعي دقة بالمعلومات نحتاج يومين كحد أقصى للرد عليها.
وبدورها أشارت ريم علي مديرة المكتب الإعلامي في مديرية الصحة باللاذقية إلى أن الحصول على معلومات عن المشافي والمراكز يكون من خلال المكتب الصحفي وفي حال كانت المعلومة متوفرة نقوم بإعطائها مباشرةً، ونقوم بالتواصل بشكل دائم مع المؤسسات الإعلامية لنضعها بصورة الأنشطة والمهام التي نقوم بها، فالإعلام هو شريك مهم وأساسي في نشر التوعية الصحية.
إصلاح اداري … ومتخصصون
الدكتورة نهلة عيسى نائب عميد كلية الإعلام في جامعة دمشق أشارت إلى أن الارتقاء بالعمل ما بين المؤسسات الحكومية والمؤسسات الإعلامية يحتاج إلى إصلاح إداري في بنية المؤسسات الحكومية من خلال إحداث مكاتب صحفية متخصصة يعمل بها خريجو الإعلام، والاكتفاء بإقامة دورات إعلامية للعاملين في المؤسسات غير مجد.
وأضافت د.عيسى هناك مؤسسات تنظر إلى الصحفيين والإعلاميين كخصوم قادمين لفضحهم وليس لمساعدتهم، لذلك يتعاملون معهم بالحدود الدنيا، والمعلومات المهمة التي يحصلون عليها من خلال مكاتب هذه المؤسسات قليلة، وأحيانا تفتقد للدقة وبذلك تتحول هذه المكاتب إلى مكاتب إعلان للمؤسسة.
و هذا لا يعفي المؤسسات الإعلامية من النقد فهي أيضاً مقصرة، تنقد بالحدود الدنيا وتدافع بالحدود القصوى عن الأداء الحكومي، وقد أكد السيد الرئيس بشار الأسد في توجيهاته للحكومة على أهمية ودور الإعلام في محاربة الفساد وفضح الفاسدين وضرورة الحصول على المعلومة والوثائق لقطع الطريق عن الشائعات.
لذلك من واجب المؤسسات الإعلامية تفعيل دورها في البحث والاستقصاء، فالفراغ الذي تتركه وسائل إعلامنا الوطنية سيملأه غيرنا خاصة في ظل الانفلات غير المسبوق في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي التي تتميز بأنها أكثر متعة وإبهارا من وسائل الإعلام التقليدي لذلك يجب تطوير الإعلام والابتعاد عن النمطية والرتابة فلا إقناع بلا إمتاع، والمتعة رفيقة العمل الإعلامي.
وزارة الإعلام… حق الحصول على المعلومة ضمن الأطر القانونية ..
من جهته أوضح الأستاذ أحمد ضوا معاون وزير الإعلام أن الوزارة على تواصل دائم ويومي مع المكاتب الإعلامية في الوزارات ونؤكد خلال الاجتماعات التي تتم معهم على ضرورة تفعيل المكاتب الصحفية في المؤسسات والمديريات التابعة لهم، وأن تكون المعلومة متاحة ومتوفرة أمام الزملاء الصحفيين ضمن الإطار القانوني، وأن يتم تسهيل عملهم وعدم عرقلته أو تأخيره، و كانت توجيهات السيد الرئيس بشار الأسد واضحة وصريحة أمام مجلس الوزراء حين قال ” ومن الضروري أن نشجع الإعلام التقليدي والإلكتروني على البدء بمتابعة قضايا الفساد من خلال تحقيقات ووثائق لكي نقطع الطريق على الإشاعات والتقوّلات”.
وأشار ضوا إلى أن وزير الإعلام عماد سارة يلتقي دورياً بكوادر المكاتب الصحفية للوقوف على كل جديد ومعالجة المشاكل التي تعترض عملها عبر قنوات الحكومة وهو ما أدى إلى تحسن في ادائها وفي مواكبتها للتطورات في عالم الإعلام والترويج لمؤسساتها عبر التفاعل بشكل أوسع مع الصحفيين وما يطلبونه من بيانات ومعلومات.
وأضاف معاون الوزير أن رفع وتيرة العمل وتحسين أداء المكاتب يتم من خلال رفده بكوادر مهنية متخصصة من خريجي الإعلام أو ممن يملكون خبرة لا تقل عن خمس سنوات في مجال العمل الإعلامي.
وأكد ضوا وجود خلية إعلامية بين الوزارة والمكاتب الصحفية في الوزرات لتنسيق العمل وتحسين جودة المنتج الاعلامي داعيا الجهات الحكومية إلى تزويد المكاتب الصحفية بكل الأدوات من كوادر بشرية وفنية للقيام بعملها بأسرع وقت إضافة إلى منحها إمكانية تقديم المعلومات للصحفيين والإعلاميين تحت سقف القانون، كما تقيم الوزارة بشكل دائم دورات إعلامية وقد قمنا مؤخراً وبسبب جائحة كورونا بدورات عن طريق شبكة الانترنت للعاملين في المكاتب الصحفية في المؤسسات الحكومية وللصحفيين.
و من جهته أكد الزميل نعمان برهوم عضو لجنة الحريات في اتحاد الصحفيين ان كافة القوانين تؤكد على حرية التعبير.. و أنها تكفل حرية الصحافة والاعلام.. و أشار إلى أن قانون الإعلام السوري ١٠٨ يوفر المناخ المناسب للعمل الصحفي وفق الأنظمة و القوانين المرعية في القطر . غير أن تقاعس بعض الجهات عن تقديم المعلومات و الإفراج عنها لوسائل الإعلام يعيق بشكل كبير و مباشر عمل الزملاء في وسائل الإعلام و الصحف .. مما يدخل في إطار سلب حرية التعبير.
الدور المطلوب من المكاتب الصحفية في وزارات و مؤسسات الدولة هو تسهيل عملية حصول الصحفي على المعلومات التي يريدها لإنجاز مهامه الصحفية.. و اختصار الوقت عليه لكن المشكلة في التخصص من جهة و في الصلاحيات التي تترك لتلك المكاتب.. الأمر الذي جعل من بعضها حلقة إضافية تزيد من الروتين في عمل الزملاء.
يجب أن يكون هناك قدرة على ضخ المعلومات و تقديم الإجابات للزملاء في أقل زمن ممكن لاسيما وأن الإعلام الإلكتروني بات اليوم يحتل الموقع الأول في نشر الاخبار و المعلومات الصحفية و هذا يحتاج إلى سرعة و سهولة انسياب المعلومات.
أخيراً
إن القرارات والقوانين واضحة لجهة تسهيل عمل الإعلام في الحصول على المعلومة، ليكون قناة تواصل وتفاعل ما بين الحكومة والمواطنين، إلا أن عدم فهم عمل وآليات التطبيق والروتين والخوف من الإعلام وهروب البعض من مواجهته بسبب فساده ساهم في عرقلة وابطاء تنفيذ هذه القوانين.
لقد حولت التكنولوجيا العالم إلى قرية إعلامية صغيرة ، أصبحت فيه وسائل التواصل و الاتصال في خدمة المعلومة، ولكن لدينا لم تترافق ثورة الاتصال والإعلام بثورة في العقلية والأداء.