في الحروب والكوارث تبدو وتظهر المعادن الحقيقية للأفراد والشعوب وأيضاً تظهر قدرات الجهات التنفيذية على مواجهتها والخروج منها بأقل ما يمكن من الخسائر المادية والاجتماعية، في سورية حرب علينا منذ عشر سنوات لم يترك فيها العدو وسيلة إلا واستخدمها، حرب تدمير البنى التحتية ومقدرات الشعب السوري واحتلال جزء من الوطن وحرق المحاصيل… لن نمل من الحديث عما فعله وارتكبه ومازال من جرائم حرب هي حقيقة سياسة أرض محروقة وإبادات جماعية..
هذا يجب ألا ننساه ولن ننساه لا ونحن نعبر الأزمات أو نعيشها سيبقى ماثلاً في العقول والأذهان، فالأسى كنا نقول لا ينتسى ..
اليوم نتيجة هذا الركام من فظائع الاحتلال نعيش أزمات ليست عادية تظهر آثارها على كل السوريين من طوابير الخبز والغاز والمازوت ووسائل النقل ليضاف إليها من جديد أزمة البنزين ..
هذا كله واقع لا أحد يمكن أن ينكره أو يقفز عليه ولا أن يتجاهل معظم أسبابه من الحرب العدوانية على سورية ..
ولكن هذا لا يعني أننا غير قادرين على اجتراح الحلول والخروج من عنق حصار ظالم .. السوريون المعروفون بالأناة والصبر والقدرة على الابتكار لم يعدموا الحلول ولا القدرة على التعامل مع واقع صعب ..
هنا يأتي دور المؤسسات التنفيذية التي تدير مواردنا بغض النظر عن حجمها وكميتها، تعمل على إدارة الأزمات التي تحصل وربما كان من الأفضل أن تكون قد خططت وعملت لعدم الوقوع فيها، لكن ثمة متغيرات كثيرة تحدث، فنحن نعيش في عالم متوحش لا قيم فيه .
ولكن هل يعني أن ينتقل هذا التوحش إلينا..؟ بالتأكيد..لا …هل نذكّر بما قالته تلك الألمانية لرجل حاول تجاوز الدور.. إذ صرخت به: صحيح خسرنا الحرب لكننا لم نخسر الأخلاق…
نحن السوريين حققنا معجزات النصر وصنا الوطن.. فما بال البعض منا مؤسسات تنفيذية وأفراداً لا يجيدون صناعة كبرياء النصر؟ ..لا أشك بنبل أي سوري أبداً ..ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ..لماذا يظهر هذا الكم الهائل من الأنانية عندنا ؟…أهو عدم الثقة بالغد أم هو عدم الثقة بما يمكن أن نجده اليوم ولن يتوافر غداً؟ وإن توافر فالسعر مضاعف ؟…نعم هذا جانب صحيح والأمثلة كل ساعة نعيشها ..تجار لا يرحمون أحداً.. واحتكار وسوء ائتمان من قبل الكثيرين …
هنا علينا أن نعترف أن الوعي المجتمعي مغيب عند الكثيرين منا… هل يعقل مثلاً أن سائق سيارة يحجز دوراً على محطة وقود ليعبئ خمس لترات من البنزين ..
وقس على ذلك الكثير من جهات مسؤولة ومواطنين، هذا يقودنا في نهاية المطاف إلى ضرورة بناء الوعي المجتمعي، وهذا أمر في غاية الأهمية، لقد تخلت الجهات المعنية به عن دورها بل تناسته تماماً ..
الأمر الذي يؤسس لتصدعات اجتماعية تظهر بوادرها الآن …سنعبر هذه الأزمات كما عبرنا غيرها ..هذا يقين ..ولكن ماذا ستترك وراءها من بثور وندوب ؟..
من الضرورة بمكان أن تتضافر جهود الجميع لترميم ما تمزق أو يتمزق …بناء الإنسان غاية الغايات ..هل ننتظر من بيان الحكومة مثل هذه الاستراتيجية، لا أن يمر الأمر كما لو أنه رفع عتب كما في الكثير من الأحيان…الحديث طويل طويل ..كلنا شركاء في الخروج من عنق الأزمات وبلسمة ما تتركه من أثلام قد تكون غائرة في الجسد والروح ولكنها قابلة للبلسمة والحياة.
معاً على الطريق- بقلم أمين التحرير- ديب علي حسن