ثورة أون لاين – يمن سليمان عباس:
أن تكون شاعرا يعني انك قادر على الإمساك بلحظة الدهشة وتكثيفها لتكون جمر اللغة والمشاعر ..
يعني انك لاعب باللغة وقادر على أن تحلق بجناحي الخيال حيث تلتقط معاني فريدة …هذا حال الشاعرة سهير زغبور التي أسست عبر ثلاث مجموعات شعرية لتجربة مهمة جدا تركت بصمتها ..انفردت بطاقة اللغة المشحونة بالدلالات الغنية..
هذا في الشعر الذي اخلصت له فبادلها الوفاء.
وها هي اليوم تنتقل إلى الرواية مع سحابة من عطر اللغة وشفافيتها محلقة بجناحين من خيال خصب أراد أن يتسع المدى اكثر فأكثر..
فكانت رواية طين ازرق التي صدرت عن دار الغانم بطرطوس وهي التي تنشر أعمالها الشعرية..
طين ازرق الرواية الأولى لزغبور تؤسس لتجربة روائية تبدو واعدة جدا وقادرة على النضج والخروج من متاهات الكثير من الروايات ..
تحتفي الرواية بتفاصيل مهمة في حياة البطلة التي عاركت الحياة وكانت ما بين مد وجزر ما بين أخذ وعطاء..
البطلة التي تسترجع كل ما مر بها منذ الطفولة وشغف حضن الام وما تركه غياب الأب..
الام الملاذ الذي يكبر ويكبر ليكون وطنا واي وطن ..
ام تحنو على آلة الخياطة لتكون طيعة وكأنها طفلة تدللها …بل هي ابنتها الثانية ومصدر الحياة..
تكبر البطلة لتكون البهية الجميلة التي تحملها أجنحة الحياة إلى الحياة العملية والدخول في قفص الحياة الزوجية… وفي تفاصيل الدخول هذا تبدو قدرة الشاعرة على البوح الشعري وإخراج مكنونات اللغة..
ومن طيف الحياة الواسعة تكون قصة الحب الحقيقية التي تأخذها إلى عوالم أخرى تعيشها بعطش المتلهف للحياة للخروج من شرنقة أسر الزوج …
في تفاصيل الحب الكثير من المفاجآت التي تحمل الرواية وتحلق بها إلى نهايات الوصول إلى لحظات الانعتاق من كل ما كل يقيد الجناحين الطامحين إلى الحب والحياة..
تتخذ الروائية من لحظات الانكسار قوة وتحولها إلى فعل عزيمة وقدرة على تجاوز كل ما هو موجود..
وهنا قدرة الكاتب والمبدع على أن ينثر عبق الأمل والحياة ويجعل المنتوج الأدبي علامة بارزة في دروب الحياة..
اما لغة الرواية فهي حقا ترف شعري يمكن أن يكون قصائد تروي وتحكي.. اجادت زغبور فعل الإمساك بقبضة الجمر اللغوية مع القدرة على التكثيف وربط الأحداث ما جعلنا نعيش دفقة روائية متميزة ..التقتطها بريشة المبدعة وجعلت الطين لعنة على من كان خارج الوعد ..صار الطين ازرق ومضى تاركا الزرع الذي كان ينمو طليقا..
الرواية دفقة بوح لايمكن أن تترك منها تفصيلا يفر من يديك …ستمضي بك إلى نهاياتها التي هي درس من دروس الحياة درس ترميم الصدع مهما كان كبيرا من أجل شجرة الخلاص والغد الذي يعيد القمح إلى طين الارض …رواية تستحق الاحتفاء بها.