أحياناً تُطرح بعضُ القضايا ذات الأهمية البالغة بشكلٍ ارتجالي وفضفاض، دون أن يؤخذ أي حساب لنتائجها وأبعادها التي يمكن أن تنضوي على العديد من المحاسن، ولكنها تحمل بين طيّاتها الكثير من المخاطر أيضاً.. !
ففي هذه الأيام نسمع بقوة عن أهمية وضرورة ربط الأجر بالإنتاج، وهذا أمرٌ محق وعادل، لجهة أن العامل المنتج من حقه أن يحظى بأجور تتناسب مع قيمة ما أنتجه، وهذا أمر يتناسب بشكلٍ صحيح مع بعض المهن والاختصاصات، كمهنتنا نحن الصحفيين – مثلاً – الذين نعمل لمصلحة المؤسسات الإعلامية الحكومية، أو لمصلحة مؤسسات إعلامية خاصة مستقرة، لأن المُنتج الصحفي سرعان ما يُسوّق و يُنشر أو يُبثّ، وكذلك الأمر بالنسبة للمنتجات المصرفية، فهي تحتمل ربطها بالأجر بشكل سليم، فعند إنجاز أهم العمليات – سحب ، إيداع ، إقراض … – يكون العمل قد تمّ تسويقه وحقق هدفه.
فحتى يرتبط الأجر بالإنتاج – سواء كان إنتاجاً فكرياً أم خدمياً أم سلعاً مختلفة – لابد من ربطه أيضاً بتسويقه وضمان فاعليته وتحقيق الهدف من إنتاجه، وإلاّ فإننا نقع بمخاطر كبيرة قد تترتب على العملية الإنتاجية.
لقد سبق وأخذنا بهذا المبدأ في بعض القطاعات خلال سنوات ماضية، ولاسيما في القطاع العام الصناعي، حيث تم ربط الأجر بالإنتاج، ووضعت أنظمة حوافز مُشجّعة من أجل المزيد من الإنتاج، وبالفعل تمكن العاملون في الشركات الصناعية العامة من تحقيق كميات إنتاجية كبيرة، ولاسيما الشركات النسيجية، ولكن السياسات الحكومية في حينها أغفلت مسألة تسويق الإنتاج، ولم تكترث بهذا الأمر كما يجب، وبقي الشيء الأهم هو زيادة الإنتاج، حتى وصلنا إلى مكانٍ عسيرٍ جداً تمثّل بتكدّس المخازين من السلع المنتجة التي لم تعد تجد لها حيزاً في الأسواق، وأذكر أن قيمة مخازين المؤسسة العامة للصناعات النسيجية وصلت في أواخر التسعينات من القرن الماضي إلى أكثر من 10 مليارات ليرة سورية، وكان هذا رقم باهظاً جداً، بل ومرعباً، وندرك ذلك إذا علمنا – مثلاً – أن حجم الموازنة العامة للدولة في عام 1998 لم يكن يتعدى240 مليار ليرة.
ربط الأجر بالإنتاج مهم جداً، ولكن لا يجوز الاكتفاء به وليكن ما يكون .. ! بل يجب أن يترافق هذا الأمر مع منظومة تسويقية بارعة بالنسبة للسلع التي لا يُكتفى بمجرد إنتاجها والتي لا بد من تسويقها وترغيب المستهلكين وإقناعهم باقتنائها، وإلاّ فإننا سنكون سائرين باتجاه فخٍّ لن يسهل الخلاص منه.
على الملأ- علي محمود جديد