الثورة أون لاين – حسين صقر:
لأنها حرب تجسدت فيها كل معاني البطولة والتضحية، و خاض غمارها وتفاصيلها جنودنا البواسل بكل إقدام و شجاعة واقتدار ، ستبقى حية راسخة في ذاكرة السوريين كي يستمدوا منها العزم والتصميم على تحرير ماتبقى من الأراضي المحتلة، ويعلمون الأجيال القادمة معنى الشجاعة والإباء.
حرب تشرين التحريرية التي قدم فيها المقاتل العربي السوري نماذج وأمثلة عن الصمود وقوة الإرادة في مواجهة العدو الصهيوني وحطم أسطورة قواته التي روجوا عنها بأنها لاتقهر فكانت أوهن من خيط العنكبوت.
وروى العميد المتقاعد حكمت كريدي الذي كان له شرف المشاركة في حرب تشرين التحريرية المباركة التي كتبت أحداثها بمداد من دم وحروف من نار ما حصل من أحداث مشوقة أيام الحرب، مؤكداً أن الذكرى السابعة والأربعين للحرب يوم فرح للسوريين، لأنهم يعيشون فيه نشوة النصر والتحرير، موضحاً أن الحرب تتجسد يومياً مع كل تضحية يقدمها جيشنا البطل في حربه على الإرهاب الدولي المنظم ورعاته.
واستذكر كريدي يوم السابع عشر من تشرين، حيث كانت الساعة الحادية عشر صباحاً، عندما أخبر قائد مجموعة الرصد عن تقدم آليات معادية عبرت قرية حضر باتجاه قرية بيت جن، وبدأنا بتنفيذ الخطة ضد مشاة العدو الذين كانوا يتقدمون باتجاه القرية، من خلال إطلاق النيران بكثافة عالية على محور تقدمهم، ما دفع بقائدهم أن يصيح عبر مكبر صوتي بلغة عربية ركيكة مخاطباً أهالي بيت جن، بأن كل من لديه عسكري جريح سوري أو مغربي أن يقدمه لهم في جامع القرية، لكن أجبته بأعلى صوتي، وهل قرية بيت جن لكم أيها الوغد ووصفته بكلمات أخرى.
وأدركت حينها أنه قد دقت ساعة الصفر، ثم فتحنا النار على قوات العدو الذين كانوا يتدافعون للدخول إلى ساحة الجامع، ثم أرسل العدو اثنين من عناصره الى سطح غرفة بجوار الجامع، لكن بعد الرمي عليهم لاذا بجانب جدار اسمنتي، فتركت أحد العناصر وكلفته بالرمي المتقطع عليهم حتى نصل لمسافة قريبة منهم.
وتابع كريدي قوله : أنه أثناء التقدم كانت الطلقة الأولى للعدو قد أصابت ساعده ليوجه نداءه” ل أخ حكمت: لقد أصبت من قبل جندي يتمركز عند بيت ابو مصطفى، عندها التففت خلف المنزل، و كان الجندي ينتظر قدوم احد جنودنا، لكنني أطلقت عليه النار في رأسه فأرديته قتيلاً، ثم أبلغت زميلي بما حدث كي يرتاح نفسياً، ثم شعرت انني أستطيع مقاتلة عشرة منهم، تابعت التقدم باتجاه مدخل الجامع عبر النهر المار بجواره ليخطر ببالي العناصر الموجودين على السطح فأي غفلة من العنصر الذي كلفته بمشاغلتهم سيمكنهم من رمينا، بدأ العدو بإطلاق النار إلى الأعلى فهو لم يشاهد المجموعة تحيط بمبنى الجامع، نبهت العناصر أن لا يرموا إلا على العناصر الذين يشاهدونهم، ثم رميت قنبله هجومية على العناصر المتمركزين على السطح لتسقط في منتصف سطح الغرفة فجأة يخرج قائدهم، ومعه ثلاثة من الجند ليلقوا حتفهم، بعدها رميت قنبلة دفاعية في باحة الجامع لتقتل كل من فيها.
وهكذا بدأت أفكر كيف أصل إلى الباب الذي يفصلني عنه نحو عشرة امتار، واذ بقنبلة يدوية على ارتفاع خمسة امتار مني، صحت بالمقاتلين محذراً ثم استدرت إلى اليمين قليلاً شاداً يدي على السلاح، لكنني أصبت بثلاث شظايا أحدها في الرئة والثانية في القفص الصدري والثالثة في ساقي اليسرى، و حدث لي نزيف داخلي و خرج الدم من فمي ومن ساق رجلي، إلا أن أحد المقاتلين أخبر زميلي عن إصابتي في الرأس، لكنني خاطبت العناصر قائلا يا رجال حافظ الأسد لا تدعوا دماءنا تذهب رخيصة، وعليكم بالثأر لنا، وهكذا أمطروا عناصر الاحتلال بقذائف الآر بي جي ٧ والبنادق والرشاشات.
وأضاف عندها جال في خاطري كلام، و حدثت نفسي به بأني والحمد لله ثئرت لزميلي ولنفسي ولرفاقي فأنا مرتاح الضمير.
في هذه الأثناء أرسل الزميل علي لي اثنين من العناصر لمغادرة المعركة ولكن إلى أين إلى الاتجاه الذي سيأتي منه العدو حيث يوجد مسيل يؤدي الى اتجاه دربل، و لم أسلم السلاح الى أحد صعدنا في المسيل، ثم لحق بي الزميل علي لإنقاذي.
وأوضح كريدي أنه كان أحد رماة الآر بي جي خلفنا يسدد ويرمي دبابة معادية قادمة من المزرعة، ويلتحق معنا، يترجل جند العدو من ناقلة كانت تسير خلف الدبابة فتحوا النار علينا بادلهم جنودنا البواسل الرمي، لينسحب الزملاء حتى أصبحنا خلف مرتفع يحمينا من كافة الأسلحة الخفيفة، بينما بقيت مجموعة في البساتين المحيطه بالجامع،
فيما العدو يخلي الجامع وكانت النتيجة ٢٩ قتيلأ، بينما تمكنت مجموعة الرصد من قتل ١٢ صهونياً بنيران المقاتل مصطفى غزال رحمه الله.
ويضيف : تابعنا المسير باتجاه دربل حيث اجبرتنا مدفعية العدو على التراجع لنجد أنفسنا في دربل امام سيارة إسعاف للهلال الأحمر الفلسطيني أقلتنا إلى مشفى يافا الجراحي.
وقال إن المجموعة التي بقيت في القرية حوصرت من كافة الجهات، وسمعوا العدو ينادي عبر مكبر الصوت الملازم حكمت كريدي سلم نفسك فوراً ، انت محاصر من قبل الجيش لكن المجموعة بقيت حتى المساء لتنسحب على المحور الجبلي، وكانت حصيلة الشهداء في هذه المعركة خمسة شهداء وثلاثة جرحى
كما استذكر كريدي أنه في الساعة الرابعة من صباح الثالث عشر من تشرين الأول كانت مجموعته الصغرى الأولى على مشارف قرية بيت جن التي كان يسودها الصمت، وفيها منزل ينبعث منه ضوء خافت، وهو ما دفعني لاصطحاب اثنين من العناصر وتقدموا باتجاه ذلك المنزل الذي انطفأ فيه الضوء فجأة، عندما شعر صاحب المنزل بوقع أقدامنا، ناديته لأن يفتح الباب، وأعقبته بالقول: افتح أنت لست نائماً، فأجاب ماذا تريد، فسألته عما إذا شعر بتحركات للعدو، فقال: لقد كانوا على مقربة من هنا، ثم انسحبوا منذ نحو ساعة أو أكثر، ولكن احذروا أن يكونوا على أطراف القرية، وهكذا تابعنا التقدم نحو داخل القرية، حيث شاهدنا عدداً من الرجال الكبار في السن، وطرحنا نفس الأسئلة، وتلقينا نفس الجواب، هنا تأكدنا من صحة المعلومة و تابعنا التقدم نحو جنوب القرية، حتى بدأت الرؤية تتضح، وسمعنا اصواتا متباعدة لمحركات، وشاهدنا أضواء سيارات، ثم توقفنا لنراقب الهدف علنا نسمع صوتاً او نشاهد عنصراً أو نلمح شعلة سيجاره أو قرقعة سلاح، لكن يبدو أن العدو أخلى المكان تاركاً خلفه، سيارات متوقفة و شاحنات تقطر مدافع هاون وعربات قيادة، عندها منعت العناصر من لمس القافلة المتوقفة خشية ان يكون العدو قد فخخها، ثم تابعنا التقدم باتجاه الجنوب حتى أصبحنا على مشارف الحرش الفاصل بين قريتي حضر وبيت جن، ثم توقفنا وعدنا إلى المدخل الجنوبي لقرية بيت جن، حيث كانت المهمة المسندة واتصلت مع قائد المجموعة التي كانت قد قدمت إلى قرية حينه لمهاجمة العدو في المزرعة، فقلت له: نفذت المهمة نحن في المكان المحدد و الهدف غير موجود، وعدنا بعد تلقي الأوامر بذلك، لكن أبقيت الجهاز على وضع الاستقبال لاستلام مكالمة منه، في الوقت الذي تم فيه تنظيم الدفاع عن مداخل القرية وتوزيع الحراسة مع مضاعفتها ليلاً.
في اليوم التالي انتقلنا أنا و زميلي علي سليمان إلى نقطة أخرى، بعد أن قضينا تلك الليلة ساهرين، لنستقبل ذلك اليوم بصوت العيارات النارية التي كان مصدرها مزرعة بيت جن حيث جرى اشتباك بين قوات العدو و المجموعة التي كان يقودها النقيب فيصل ديب و كانت مهمتها طرد قوات الاحتلال من المزرعة المزرعة.
وتابع كريدي لقد جددت الاتصال مع النقيب ديب لكن دون جدوى، و لم يعد أمامي إلا الاستماع الى المذياع لعل القيادة ترسل لنا أي مكالمة مرمزة، وفي هذا اليوم تم العثور على جندي مغربي تم ضمه إلى المجموعة، كما تم أيضا اكتشاف مجموعة من الوحدات الخاصه كانت بمهمة استطلاع لنفس القرية، تم اللقاء معهم وارسال رسالة معهم الى قائد كتيبة الدعم التي انطلقنا منها بعد استلام المهمة.
وأوضح كريدي أنه الساعة العاشرة صباحاً من الخامس عشر من تشرين التحرير حضر الى الموقع احد مواطني القرية ليعلمنا عن وجود دبابة معادية على الطريق الذي يصل بين بيت جن مع مزرعتها، و على الفور تم تشكيل مجموعة تضم أسلحة مختلفة، توجهنا إلى المكان المحدد وكان على المواطن أن يرشدنا الى مكان الهدف واتفقت معه على عدة إشارات مثل التوقف أو الوصول إلى الهدف خطر معاد وهكذا، وبعد مسير ما يقارب من ٣ كم وصلنا الى الهدف واذ هو ناقلة جنود متوقفة على بعد خمسين متراً من منزل منفرد، و بعد رصده بشكل دقيق، تم اقتحامه لكنه كان خالياً من أي عنصر
بقي علينا تدمير الناقلة حيث كانت القيادة قد زودتنا بقنابل” م -د” حديثة، حيث أمرت احدهم بتوجيه الرمانة عليها إلا أن القنبلة لم تلتصق بجسم الناقلة ما دعاني إلى إطلاق قذيفة آر بي جي ٧ وقمت بتدميرها على الفور، ثم أخلينا المكان، و ابتعدنا عنه نحو خمسمئة متر ثم أمطرنا العدو بوابل من نيران الرشاشات الثقيلة على العربات التي كانت متمركزة في سفح التل الذي يفصل بين بلدة حرفا ووادي بيت جن وهو ما أدهش العدو، وذلك مع بدء
الطيران بالاستطلاع، ولم يتمكن العدو من اكتشافنا و كنا خلفه بخمسة كم وهذا ما ساعدنا على تضليله، ثم تواجد اهل البلدة معنا، وهو ما أعمى عيون العدو عن المجموعة..