الثورة – سمر حمامة:
بين الحلم والواقع، بين الطفولة والمسؤولية، يُفرض على بعض الفتيات في سوريا “قيد” لا يكنّ مستعدات له… “زواج القاصرات” وهذا الأمر ليس مجرد قضية اجتماعية، بل هو صورة مأساوية لنزاع طويل بين التقاليد، الضغوط الاقتصادية، وقوانين الحياة.
لكن هل حقاً يحتاج الزواج في سنٍّ مبكرة إلى أي نوع من “التبرير”؟ وإذا كان الأهل يعتبرونه حلًا اقتصادياً أو اجتماعياً، ما هو تأثيره الفعلي على نفسية الفتيات؟ هل نحن نُزَوجُ الطفولة ونسرق منها أيامها؟ دعونا نستعرض قصصًا حيّة وأراء مختصين لنكشف النقاب عن هذا الموضوع بشكل غير تقليدي، نتحدث بصدق، ونكسر كل الحواجز.

بين الأسطورة والواقع: ما الذي يُخفيه “زواج القاصرات”؟ هل تعتقدون أن الزواج المبكر هو الحل الذي يمكن أن يحمي الفتاة في ظل الأزمات؟ في مجتمعٍ يعاني من مآسي الحرب وتداعياتها، يُنظر إلى الزواج المبكر أحياناً كحماية للفتاة من أهوال الحياة. لكن، هل هذا هو الواقع الذي نعيش فيه أم أن الصورة أكبر وأعمق من ذلك بكثير؟ لنكن صريحين، وراء كل زواج مبكر، هناك مئات القصص التي لم تُروَ بعد، وعشرات العيون التي تتطلع لأحلام ضاعت في لحظة.
الطفولة التي ضاعت في قفص الزواج
مريم الطفلة والزوجة، تزوجت في سن الرابعة عشر، وكان الجميع يظنّ أنها وجدت الأمان… لكن الواقع كان مختلفًا! كانت تتوقع أن يكون زوجها حصنًا لها، ولكن كان في الحقيقة عبئًا لم تستطع تحمله. “مريم، التي تزوجت في سن مبكرة، تروي كيف تحولت حياة طفولتها إلى معركة مع الزمن. تقول:”كنت أظن أن الزواج سيعطيني نوعًا من الاستقلالية، لكن في الحقيقة فقدت كل شيء، حتى نفسي!”
أما سلمى تتحدث عن ضغط المجتمع تقول:”نحن الفتيات في المجتمعات التقليدية لا نُسأل عن رأينا. الزواج في سن مبكرة يُعتبر خيارًا طبيعيًا، كأن الفتاة لا تملك إلا أن تمضي في هذا الطريق.”لكن سلمى، التي تزوجت في سن 13 تشير إلى شيء مختلف. تقول:”كل شيء كان بسرعة، مثل فكرة أنني أقفز من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الأمومة والزوجة في طرفة عين. لم أفهم ما يحدث، لكنني شعرت أنني فقدت فرصة أن أكون فتاة.”
أين الحقيقة؟

الدكتورة أسماء الجاسم (أخصائية نفسية):”الزواج المبكر هو بمثابة ضغط هائل على الفتاة القاصر، نفسيًا وجسديًا، الفتاة التي تتزوج في سن مبكرة تتعرض إلى تغييرات سريعة في جسمها، مما يؤثر على نموها الطبيعي، لكن التأثير الأكثر فظاعة هو على صحتها النفسية؛ فهي عادةً لا تكون مستعدة لتأدية دور الأم والزوجة. في هذا العمر، الفتاة بحاجة إلى العناية والاهتمام، وليس إلى مسؤوليات الحياة.
“المرشدة الاجتماعية فريدة الكنج تؤكد بقولها:”نظرة المجتمع التقليدية للزواج المبكر هي السبب الرئيسي لهذه الظاهرة، في بعض الأحيان، يُعتبر الزواج وسيلة للتخفيف من الأعباء الأسرية، خاصةً في الحالات الاقتصادية الصعبة، ولكن المشكلة تكمن في أن الفتاة نفسها لا يُؤخذ رأيها بعين الاعتبار.” وتضيف: “إذا تمكنا من تغيير هذا التصور، وتوفير فرص التعليم والعمل للفتيات، سنتمكن من معالجة هذه الظاهرة بشكل جذري.”
قيدٌ مستمر على القلب والعقل
كل فتاة تتزوج في سن مبكرة لا تحصل فقط على “شريك حياة”، بل تحمل أيضًا عبئاً ثقيلًا على قلبها. التوقعات المجتمعية، الضغط العاطفي، ومسؤوليات الأمومة المبكرة، كلها أمور تجعل الفتاة تخسر شيئًا عزيزًا: “نفسها”.
الضغوط التي لا تنتهي
تقول هالة:”في البداية، كنت أعتقد أن الزواج سيوفر لي حياة أفضل، لكنني وجدت نفسي أغرق في مسؤوليات أكبر من قدرتي. الآن، لا أستطيع أن أعود لما كنت عليه قبل الزواج.”هالة، التي تزوجت في سن 14، تشعر أن حياتها قد تحولت إلى سلسلة من الضغوط المتواصلة. تقول:”كنت أريد أن أكون مثل باقي الفتيات، أعيش في عالم المدرسة والأحلام، لكن فجأة، أصبحت أمًّا وزوجة في وقت لم أكن مستعدة له.”
ما بين الخوف والندم

“لم يكن لدي وقت لأفكر بمستقبلي، لم أتمكن من تذكر نفسي قبل الزواج، حتى أصدقائي تغيروا، شعرت وكأنني خرجت من دائرة الحياة.” سعاد، التي تزوجت في سن 16، تحدثنا عن حالتها النفسية، وتقول:”هناك شعور دائم بالندم، لكن في نفس الوقت، لا أستطيع العودة للخلف.”
الزواج المبكر: ضغوط مجتمعية أم حق مشروع؟
الزواج في سن مبكرة ليس حقاً للفتيات، بل هو خيار المجتمع الذي يفرض نفسه عليهن.
تقول الدكتورة مروة حسن، الباحثة في قضايا المرأة: “المجتمع الذي يروج لفكرة أن الفتاة يجب أن تتزوج في سن صغيرة هو مجتمع يخضع للعادات والتقاليد أكثر من القانون أو العلم.
يجب أن يتم توعية الأهل بأن الفتاة بحاجة إلى فرص أكبر لتحقيق أحلامها بعيداً عن الضغوطات”.
هل سنستمر في تكرار نفس الأخطاء؟
في النهاية، نكون قد لامسنا جوهر القضية.
زواج القاصرات ليس مجرد ظاهرة اجتماعية، بل هو انعكاس لثقافة قديمة لا تزال تمارس في بعض الأوساط رغم الوعي المتزايد حول مخاطرها.
الفتيات اللاتي تزوجن في سن مبكرة يعشن في صراع دائم بين ما هو مفروض عليهن وبين رغباتهن في العيش بحرية.
هل حان الوقت لإنهاء هذه الدورة؟
لن يحدث التغيير إلا عندما تبدأ المجتمعات في فهم أن الزواج ليس نهاية لمستقبل الفتاة، بل هو مرحلة قد تبدأ حينما تكون مستعدة بشكل كامل.
من خلال التعليم، التوعية، ودعم حقوق الفتيات، يمكننا أن نساعدهن في بناء حياة مليئة بالأمل، والفرص، والحرية.
التغيير يبدأ من داخل كل منزل، ومن خلال دعم الشباب والفتيات لتحقيق أحلامهم بعيداً عن ضغوطات الزواج المبكر.
لنعمل معاً لضمان حياة أفضل لأجيال قادمة، حياة لا تُسلب فيها الطفولة قبل أن يبدأ الحلم.