الثورة – فردوس دياب:
تبرز مبادرات المجتمع المدني كشريان حياة، تُرمم ما تهدم وتبث الأمل في النفوس، لاسيما في ظل الظروف الصعبة، التي نحتاج فيها إلى تعزيز ثقافة العمل الخيري والتطوعي، وانطلاقاً من هذه القناعة، أطلق “فريق ملهم التطوعي” باقة من المبادرات المجتمعية عبر 20 فريقاً تطوعياً، غطت مناطق مختلفة في دمشق وريفها، وهذه المشاريع لم تكن مجرد أفعال خير تقليدية، بل كانت تجربة إنسانية شاملة، حوّلت خلالها طاقات الشباب والشابات إلى محركات فعلية للتغيير الإيجابي.
حول هذه المبادرات الخيرية، التقت صحيفة الثورة مديرة المشاريع في فريق “ملهم” التطوعي، لميا عنتر التي أكدت، أن الرؤية التي حكمت “مشروع المبادرات المجتمعية” تتجاوز مجرد إنجاز الأعمال، لأن التحدي الحقيقي يتمثل في أن جزءاً كبيراً من الفرق المتقدمة يفتقر إلى الخبرة في الإدارة والتنسيق، ولم تكن لديهم تجارب سابقة لتحويل أفكارهم إلى واقع، فيما كان جوهر المشروع هو تمكين هذه الفرق من خلال التجربة العملية، وتشجيعهم على التعلم من الأخطاء الواردة وتجنبها مستقبلاً، لبناء ثقتهم وقدرتهم على تقديم مقترحات جديدة أكثر نضجاً وإبداعاً، تكون مدعومة بالخبرة العملية اللازمة لتنفيذها ومتابعتها بفعالية.
ولفتت عنتر إلى أن جزءاً ملهماً من هذه المبادرات كان بإدارة أشخاص من ذوي الهمم، حيث تمحورت أفكارهم حول مساعدة أقرانهم وجعل الحياة أسهل أمامهم، وهذا ما أعطى المبادرات بُعداً إنسانياً استثنائياً، لاسيما أن البعض منهم قد حولوا تجاربهم الشخصية إلى وقود لخدمة أقرانهم.

مسار النور
وسلطت عنتر الضوء على بعض من تلك المبادرات، كمبادرة “مسار النور”، التي هي مبادرة ريادية على مستوى سوريا، حيث قام فريق من المكفوفين بإنشاء مسار آمن ومخصص للمكفوفين داخل مدرسة للمكفوفين في ضاحية قدسيا، بهدف جعل حركتهم داخل المدرسة أكثر استقلالية وأمان، وكذلك مبادرة “جذور أصم” التي يقودها فريق من الصم، وتهدف إلى كسر حاجز العزلة عبر جلسات توعية وأنشطة دمج تفاعلية بين مجتمع الصم والسامعين في دمشق وريفها، لتعزيز التفاهم المتبادل، وأيضاً مبادرة “برايل”، ويقوم عليها أفراد من المكفوفين وضعيفي البصر، وتركز على تمكين المشاركين من خلال دورات متخصصة في صناعة المحتوى وإعداد المدربين، موجّهة لذوي الهمم وغيرهم، لتعزيز فرصهم في سوق العمل.
ومن هذه المبادرات الإنسانية التي تعكس روح الإبداع والعطاء، مبادرة “ظل الأدراج”، وهي بمشاركة أفراد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان الهدف من هذه المبادرة تركيب 100 “رمبة” (منحدر) في شوارع مدينة دوما، لتذليل عقبة التنقل أمام الكراسي المتحركة والعربات، في خطوة عملية لتعزيز إمكانية الوصول، وهناك أيضاً مبادرة “أنت لست وحدك ” والتي خصصت للأشخاص الماصابين بـ “متلازمة آشر” وذلك من خلال فعاليات وأنشطة وتصوير فيديوهات توعوية لمشاركتها على المدى الطويل.
وتحدثت السيدة عنتر عن باقي المبادرات، بكونها نسجت خريطة عطاء شملت كافة القطاعات الحيوية، مما عكس رؤية متكاملة لفريق “ملهم” شملت إعادة الإعمار والبيئة، حيث قامت مبادرة “عودة الأمل” بتأهيل حديقة في داريا مع مراعاة سهولة الوصول لذوي الاحتياجات الخاصة، بينما ركزت مبادرة “من أجل مناخ أفضل”، على التوعية البيئية وترميم حديقة ضمن منطقة صحنايا، إضافة الى “مبادرة شبابنا أملنا” والتي هدفت إلى تشكيل لجان من المجتمع المحلي وتدريبها على الاستجابة للكوارث و حالات الطوارئ والاسعافات الأولية، و”مبادرة غراس الوفاء” حيث تم زرع 1500 شجرة في منطقة العبادة مع العلم أن حوالي 400 شجرة تم زراعتها بمشاركة من المجتمع المحلي ومبادرة “خطوة أمل”: الهدف منها رسم جداريات ذات معنى ضمن مدارس وشوارع المنطقة في العيبة حيث أن أحد الافراد المشاركين من ذوي الهمم.

أنامل الأمل
أما بالنسبة للدعم النفسي والتعليمي، فقد بينت عنتر أن هناك مبادرات تجسد فيها الدعم النفسي، مثل مبادرة “رفقة نفس”، والتي قدمت الدعم النفسي لطلاب المعاهد الخاصة، ومبادرة “معنا ليس للصعوبة معنى” التي ركزت على تدريب مقدمي الرعاية على تشخيص صعوبات التعلم، إضافة الى مبادرة “بيت الدراسة ” بإنشاء قاعتين مجانيتين، مخصصة لدراسة طلاب الجامعة بشكل مجاني في منطقة القطيفة، وكذلك كان هناك مبادرات لدعم التعليم والثقافة، مثل مبادرتا “إحياء التراث” و”إغاثة المتضررين”، ومبادرة “الشام في عيوننا” التي دربت خريجي الآثار والمتاحف عملياً على أعمال التنقيب والترميم، ومبادرة “أنامل الأمل” التي أعادت تأهيل وترميم روضة أطفال في منطقة جسرين بعد تعرضها للقصف من قبل النظام المخلوع، كما قامت بعض المبادرات بتقديم خدمات مباشرة للمجتمع: مثل مبادرة “ليالينا منورة” و”نور ملهم” لتركيب إنارة طرقية تعمل بالطاقة الشمسية في مناطق رأس المعرة وهريرة، ومبادرة “مظلات” لتركيب مظلات ومقاعد في نقاط حيوية بمنطقة الحسينية، ومبادرة” مدة” وهي تقديم خدمات صحية لأربع وعشرين معتقلاً.
وختمت مديرة المشروع بالقول: “إن هذه المبادرات، برغم تنوعها، تجتمع تحت هدف واحد، هو صناعة تغيير إيجابي ملموس في المجتمع، فهي تمثل إرادة شابة تحولت إلى واقع، وتثبت أن العطاء والإبداع هما أقصر الطرق لبناء الغد، مبينة أن مشروع المبادرات المجتمعية نموذج حيّ لروح المجتمع السوري المتحد والقادر على إعادة البناء.