إفتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
47 عاماً مَرّت على السادس من تشرين الأول 1973، غير أنّ المُناسبة التي اعتَمَلَت المجد والعزّة، والتي أعادت الكرامة للأمة مُجتمعة، ما زالت المُناسبة التي تَصلح للتأسيس عليها، وللانطلاق من قاعدتها ومَبدئها وعَناوينها التي ستَبقى نبراساً ودليلاً ربما للأجيال على مر الزمن وتَعاقبه مهما امتد وتَطاول، حتى بعد أن يَتم التحرير الكامل للأرض، وحتى بعد أن تُستعاد الحقوق المُغتصبة. كيف ولماذا؟.
ما يَجري اليوم على الأمّة ربما يَحمل الإجابة الكاملة عن كل التساؤلات التي من شأنِ طَرحها أن يُعيد قراءة “تشرين التحرير” قراءة صحيحة، استراتيجية، يَتم خلالها استحضار التاريخ ومَحطاته في مَسارات الصراع مع الصهيونية وداعميها، ذلك أنها الحرب المُبادرة العربية الأولى الجامِعة على هدف التحرير. جَرَت بامتلاك زمام إدارة الهجوم دفاعاً عن الحقوق.
امتلاكُ زمام المُبادرة بمُهاجمة العدو الصهيوني، نقطة مَركزية لا ينبغي أن تَغيب عن أذهاننا لحظة واحدة في أثناء قراءتنا لما جَرى لاحقاً ويَجري حالياً، ذلك لأنّ اجتماع أكثر من دولة عربية على المَوقف كان إنجازاً بذاته حتى قبل أن تَبدأ الحرب، وهو ما سَعَت وتَسعى له سورية، وهو ما يَخشاه الصهاينة، أميركا، ومعها كل الغرب المُتصهين.
حربُ تشرين التحريرية التي قادها القائد المُؤسس حافظ الأسد، التي خَطط لها بحكمة، وأدارَها بشجاعة، كان لها أن تُحقق أضعاف ما تَحقق بنتيجتها لو لا أنّ الخرق حصلَ على الجبهة الأُخرى.
تَوقف أنور السادات على الجبهة المصرية، هو التوقف الذي كشفَ لاحقاً بالوقائع المَوقف وحجمَ الاختراق الذي أخرجَ مصر من الصف العربي وأنتجَ “كامب ديفيد” لتكون أول مُعاهدة استسلام للعدو وداعميه!.
نعم، إذا كان كل ما لدى سورية من صمود وثَبات على المبدأ، وإذا كان كل ما لديها من إيمان وتَمسك بالحق، وإذا كان كل ما لديها من عَزيمة وإصرار على التحرير، هو من “تشرين” ويُنسب أصالة لها كنَهج وخَط أصيل، وكحَرب ستَبقى خالدة في الذاكرة والوَجدان تُحرك مشاعر العزّة والبَهجة، فإنّ كل العَمالة والخيانة لدى الأطراف العربية الأخرى التي طَعنت فلسطين وباعت رَخيصاً القضية، هو من “كامب ديفيد” ومَنطق الاستسلام الأعوج الذي يُترجم هذه الأيام هَرولة نحو التطبيع مع العدو وبالتّحالف معه ومع حُماته في الغرب وأميركا.
هذه الجُزئية أيضاً هي مَركزية في القراءة لا يَنبغي أن تَغيب عن أذهاننا لحظة واحدة، ذلك أنّ الأدلة التي تُؤكدها كثيرة مُتعددة لا تُحصى، ولا يَتسع المجال لتَعدادها وذكرها، ولعل الحرب الكونية العدوانية الإرهابية التي تتعرض لها سورية تُقدم المَزيد من الوثائقيات والوقائع التي لا تُؤكد فقط إنما لا تَدع مجالاً للشك من أنّ سورية هي القلعة التي تُرهب أعداء الأمة، ومن أنها هي المَركز الذي منه تَنطلق مَعارك التحرير، ومن أنها المنصة التي منها يَنبثق الفكر المُقاوم للاحتلال والاستعمار المُناهض لسياسات الهيمنة والنهب.
إنّ مَسارات التطبيع التي تَستهدف تَصفية القضية قد تَتسارع الحركة عليها وباتجاهها، (يقول ترامب: .. في الطريق العديد من دول الشرق الأوسط، إنهم قادمون بسرعة، إننا عازمون على إبرام المَزيد ..)، نعم قد تَتسارع الحركة باتجاهها، غير أنها لن تَجلب إلا العار لمُوقعيها، وبحال من الأحوال لا يُمكن أن تُؤدي لما تَدّعيه أطرافها، فالحَتميات التاريخية ثابتة كلمتُها في ذلك، مُثبتها النبض الشعبي، حركته وضميره دَليلها، لا خيانة أو عَمالة أمير أو ملك أو رئيس، سيُطوى هو وتَوقيعه.
إنّ جبال الأكاذيب والفَبركات التي يَبني عليها الغرب وأميركا لمُواصلة استهداف سورية بالحروب العدوانية المُتعددة العسكرية، الإرهابية، الاقتصادية، الإعلامية، والثقافية، صحيحٌ أنها تَكبر وتَتضخم، غير أنها ستَنهار وتَتشظى، بل ستُصيب شظاياها كل من ساهم في مُراكمتها، كنتيجة طبيعية لصمود سورية وانتصاراتها التي يُسجلها جيشها الباسل في الميدان، شعبُها الصامد مع قيادته الحكيمة التي يُجسدها السيد الرئيس بشار الأسد .. إنّ “تشرين” تأسيسية، نَبني عليها، للحق جَولات، والأيام بيننا.