الثورة أون لاين – دينا الحمد:
من الحرب العدوانية على سورية إلى محاولة تفتيت ليبيا، مروراً بتأجيج الأوضاع في البحر الأبيض المتوسط وإثارة المشاكل والصراعات مع اليونان، وصولاً إلى التدخل في النزاع الأرميني الأذربيجاني وتأجيجه، وانتهاء بالبحث عن قواعد لمرتزقته في أواسط إفريقيا وعلى سواحلها الشرقية، يحول نظام أردوغان الاخواني نظريته المزعومة “صفر مشاكل” إلى عشرات الأزمات والمشاكل والصراعات والحروب، ليس مع الدول المجاورة فقط بل مع شعبه نفسه، ناسفاً الأمن الإقليمي وحتى الداخلي التركي، ومعرضاً المنطقة برمتها لمخاطر تؤدي إلى توتير الأمن العالمي ونسف قواعد السلم الدولي برمته.
وليس هذا فحسب بل إن هذا النظام العثماني لم يدخر جهداً على ساحته الداخلية إلا وبذله في تطويق الحريات، وزج معارضيه في السجون، وقمع الصحفيين واعتقالهم، وانتهاك حقوق الإنسان، وإصدار الأحكام والقوانين بعيداً عن إرادة الشعب التركي الذي خرج بمظاهرات كبيرة غير مرة احتجاجاً على تلك السياسات العثمانية العدوانية، واستخدام المرتزقة والإرهابيين لتنفيذ أطماعه في المنطقة، ومواصلته انتهاكه للحريات في الداخل التركي.
ومثل هذا الكلام ليس مصدره التكهنات بل هو حقيقة دامغة تثبتها عشرات الأحداث والتدخلات في المنطقة برمتها، وفي الداخل التركي أيضاً، ويكفي أن نشير هنا إلى تقرير أوروبي يؤكد بالوثائق والأدلة والبراهين قمع أردوغان للحريات في تركيا لندرك هذه الحقيقة، فقد أكد تقرير المفوضية الأوروبية لعام 2020 حول تركيا أن نظام رجب أردوغان يواصل انتهاك معايير الديمقراطية وسيادة القانون والحريات الأساسية في بلاده.
ونقل مركز استوكهولم للحريات “اس سي اف” عن التقرير قوله إن الآثار السلبية لحالة الطوارئ التي أعلنتها حكومة النظام التركي في تموز 2016 عقب محاولة الانقلاب مستمرة حتى الآن، وأثرت بشكل كبير على الديمقراطية والحقوق الأساسية للمواطنين من خلال بعض الأحكام القانونية التي تمنح إمكانات استثنائية للسلطات في حال فرض قانون الطوارئ في البلاد.
وأشار التقرير إلى أن التشريعات والممارسات في تركيا لاتزال تخالف الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والسوابق القضائية للمحكمة الأوروبية، معتبراً أن الهيكل الدستوري الذي نشأ عن استفتاء عام 2017 وفرض نظام الحكم الرئاسي وحصر مركزية السلطات بالرئاسة قوض المعايير الديمقراطية وسيادة القانون والحريات الأساسية، وبالإضافة إلى ذلك ارتبطت العديد من السلطات التنظيمية والبنك المركزي مباشرة بالرئاسة ما قوض استقلاليتها.
وفيما يتعلق بحرية الصحافة أشار التقرير إلى الدور السلبي الذي تلعبه وسائل الإعلام الرسمية في تزويد الجمهور بأخبار غير متحيزة، موضحاً أن هناك تركيزاً لملكية وسائل الإعلام في أيدي عدد قليل من الشركات ذات العلاقات القوية مع النظام التركي ما يمثل تهديداً لوسائل الإعلام الحرة والمستقلة.
ووفق التقرير فإن 90 بالمائة من وسائل الإعلام التركية مملوكة حالياً لجماعات موالية لحكومة النظام التركي مبيناً أن المنظمات المدنية في تركيا تتعرض لضغوط مستمرة، ويستمر تضاؤل مساحتها للعمل بحرية.
هكذا إذاً نرى كيف تحولت نظرية “صفر مشاكل” مع الجيران التي ابتدعها نظام أردوغان إلى قمة المشاكل، ليس مع الجيران فقط بل مع الأتراك أنفسهم، والمفارقة الصارخة أن رأس النظام مازال يتغنى بمصطلحات العدالة والتنمية وحقوق الإنسان، ويتاجر بمآسي الإنسانية من سورية إلى القوقاز مروراً بإفريقيا والمتوسط.