الثورة أون لاين -نهلة كامل:
قلت لأمي وانا صغيرة: سٱكون شجرة.
ولم يكن لي ٱصدقاء، وانا أتنقل مع ٱبي الموظف في القرى الجبلية سوى الأشجار.
وكان من طقوسي ان ٱصادق شجرة أينما ذهبنا.
هكذا كانت شجرة الصنوبر صديقتي في قرية ” العنازة” وتحت ظلالها في ” عين التلعة” حركت الزهور البرية الضئيلة تعاطفي ودعتني رهافتها لمناصرة المخلوقات الضعيفة.
وكانت شجرة المشمش “في عين الشرقية”عروس الربيع وبهجتي بعد شتاء كئيب.
ونفذت رائحة شجرة الجوز الشبقة” حرف متور” الى احاسيسي ولعلها حفرت في ذاتي مشاعر الشغف.
واستطرادا هنا فقد ظلت رائحة زهر البرتقال تنادي والدي كل نيسان الى القرية حتى الممات.
اما السنديان والبلوط في قرية” متور” فكان قلعة الأمان وبساط الإغفاء والنزهة والتأرجح وقد وعيت من الحديث عن عمره ولأول مرة معنى الدهرالممتد وراء جذور بقائه.بينما كان شجر التوت ولا يزال شعار منزل عائلتنا وهو يمنح الثمر والظل والنسيم بلا مقابل.
وقد عرفت الطيبة والعزاء في شجرة الزفير المهملة بعد انتقالي الى الدراسة في اللاذقية،أما شجرة الخوخ والدراق في ” حويجات” دير الزور فقد تباهت بحسنها ومنحتني احساس الصبا معطرا برائحة شجر الجوري على ضفاف الفرات.
لكنني بدٱت أحفر أسماء وتواريخ واسرارا على جذوع الأشجار على ضفتي بردى الذي كان..في طريق ذهابي وإيابي الى الجامعة في دمشق، وأعود لأمي بحفنة الياسمين الذي تشبهه.
قال لي والدي بعدما أصبحت صبية بقوام كجذع وشعر طويل كأغصان: لقد حاولت وأصبحت شجرة.. تهانينا.
إلى ان تطورت العلاقة في بيروت،حيث عملت، مع شجرة زنزلخت عالية ووارفة قبال مكتبي، وأصبحت ملهمتي فكتبت لها اول مجموعة شعرية،مؤجلة النشر، كرمز صداقة مع الشاعر العظيم ٱنسي الحاج.
ولو تركت شجرة الزيتون الى النهاية فلأنها قاسم مشترك رافقتني أينما ذهبت، في قريتي لأبي ” الرويمية” ولأمي” عين اللبن” حيث هي ” ساموك” الحياة وسند العائلة بعد أن فضلها اخي المهندس على الوظيفة.
أما متى انتبهت الى مشهد سلام النبات لأول مرة؟
فقد كان هذا عندما بهرتني حقول القمح الذهبي والقطن الناصع البياض، الوديعة الممتدة بسخاء حتى ملكوت السماء في نهاية الأفق، كلما خرجنا الى سهول الجزيرة ودير الزور.
اخترت سلام النبات،وكون ضميري وجوده الذي لايعرف الأذى،
لهذا بعين نبات رٱيت وحشا بشريا يشعل الحريق.
بكيت حقول القمح والقطن فصولا.
وها هي اشجاري تحترق
وانا كنت الزيتونة الملتهبة.
……………
#الحويجات:أراض زراعية محاطة بماء الفرات
# الساموك: العمود الرئيسي الذي يسند البيوت الريفية.