الثورة – لجينة سلامة:
قدّم الموسيقي والباحث المايسترو بشر عيسى محاضرة ظهر أمس في قاعة اتحاد الكتاب العرب بطرطوس، فجاءت على شكل جلسة استماع ممتعة عبر نماذج موسيقية استعان بها المحاضر للحديث عن هذا النمط الموسيقي والذي تعود نشأته منذ قدم التاريخ إلى الفترة ما بين “1550- 1910” و هي فترة الممارسة الفعلية لهذا النوع الذي مر بثلاثة عصور: عصر الباروك، والعصر الكلاسيكي، والعصر الرومانتيكي، ويشمل طيفاً واسعاً من الأنماط والقوالب الفنية والتشكيلات الصوتية لأغراض عديدة.
وعرج نقيب الفنانين في طرطوس الأستاذ بشر عيسى على ميزات هذا النمط بغية التعريف به والفروق بينه وبين الموسيقا الشرقية العظيمة التي نفهمها ونحس بها ونتذوقها.
فأوضح أنها تتميز عن بقية الموسيقا في العالم كونها تحوي أهدافاً وغايات متنوعة، كما في أي نوع من أنواع الموسيقا الأخرى، كالرقص، والحزن، والنحيب، والابتهاج، والتورع، والابتهال، والتأمل، والترويح عن النفس، إلا أن الموسيقا الكلاسيكية كما ذكر الأستاذ بشر هي لغة العقل مكتوبة بتفكير مركز وتعزف وتؤدى بتركيز وحرفية ودقة بالغة.
بعد ذلك تطرق عيسى إلى قوالب الموسيقا الكلاسيكية الشهيرة، وهي: السوناتا، والسيمفونية، والكونشيرتو، والروندو، والفوغ، والفالس، والأوبرا، والتنويعات، والقصيد السيمفوني، ثم أشار إلى التعدد النغمي “الهارموني”، والتي تميز هذا النوع من الموسيقا، وتعزف فيها العديد من النغمات في آن واحد بشكل يكون فيه النسيج الموسيقي كبيراً وثرياً وغنياً، وما يضيف غناه أيضاً هي ألوان الأصوات الصادرة عن الآلات المتنوعة النفخية، والإيقاعية، والوترية الخشبية، والنفخية النحاسية، والنفخية الخشبية.
وأضاف: إن ما يميز هذه الموسيقا أيضاً هي العقلانية- أي أن الموسيقا الكلاسيكية مكتوبة بنظام متناسق نغمي ومتوازن وواضح، منوهاً بأن هذه الموسيقا تستخدم عناصرها لخلق صور موسيقية تصف مجموعة واسعة من الحالات والمشاعر الإنسانية، وبفضل الألوان اللا متناهية الناتجة عن مزج مختلف الآلات فإنها تستطيع أن تكون تعبيرية وصفية إلى حد كبير.
وأوضح في الختام كيف نتذوق هذا النوع من الموسيقا وذلك عبر الاستماع والانتباه باهتمام كامل مع التركيز على تفاصيل الألحان والآلات والإيقاعات.
وفهم البنية الموسيقية والتعرف على الآلات وتحديد كيف تساهم كل آلة في تكوين الصوت العام إلى جانب دراسة الخلفية والسياق التاريخي والعصور المختلفة للموسيقا مع التدريب المستمر وتكرار الاستماع مع مرور الوقت.
على هامش المحاضرة كنت طرحت على الأستاذ عيسى السؤال التالي: لماذا هذه الدعوة اليوم إلى الموسيقا الكلاسيكية؟
فأجاب: “اخترت هذا العنوان بسبب عدم الاطلاع والغموض وقلة المعرفة من قبل شريحة واسعة من الجمهور بشكل عام والمثقفين بشكل خاص، إذ لم يتعود الناس على هذا النوع الموسيقي باعتباره نمطاً غربياً أو لطبقة اجتماعية معينة، وأردت من المحاضرة تصويب نظرة عامة غير صحيحة، فالموسيقا الكلاسيكية ليست لفئة محددة من الأشخاص فكما نتذوق الأدب العالمي من قصة ورواية ومسرح للعديد من الأدباء العالميين الغربيين، بنفس الطريقة يمكن أن نتذوق الموسيقا الغربية الأوروبية لأن الأدب نتاج حضارة غربية والموسيقا أيضاً، وكلاهما نتاج للحضارة الإنسانية البشرية وليست حكراً على شعب من الشعوب فالمشاعر هي لجميع الناس.
محاضرة اليوم دعوة للتفكير بالموسيقا الكلاسيكية كلغة العقل والقلب على حد سواء ضمن عالم الضجيج والتلوث السمعي والانحدار الفكري وسيطرة الفن السطحي المبتذل على الذوق العام.
إذاً.. كيف نسوق للموسيقا الكلاسيكية وكيف العمل لتكريس ثقافة الاستماع والاطلاع على هكذا نوع من الموسيقا؟
أجاب عيسى: ساهم الانترنت في تسويق وانتشار هذا النوع من الموسيقا، خاصة وأنها أصبحت مستخدمة في الإعلانات وفي أفلام الأطفال مثل” ديزني”، وننظر للموسيقا الكلاسيكية على أنها وسيلة للارتقاء بالفكر وهي لغة العقل والقلب في آنٍ معاً.