من أين ينبع الإبداع الشعري؟

 الملحق الثقافي:سلام الفاضل :

هو شاعر سوري أصيل، امتازت تجربته الشعرية بغناها وتنوعها. كرمته المحافل الأدبية في أكثر من موضع، ومنحته وزارة الثقافة السورية عام 2018 جائزة الدولة التشجيعية في مجال الآداب. ألف العديد من الأغنيات للأطفال، كما أدرجت بعض قصائده الموجهة إليهم في المنهاج المدرسي لوزارة التربية في سورية وعدد من الدول العربية. يعمل منذ مطلع عام 2016 رئيساً لتحرير مجلة “أسامة” الصادرة عن وزارة الثقافة – الهيئة العامة السورية للكتاب، وهو عضو اتحاد الكتاب العرب منذ عام 2003، ومقرر جمعية الشعر في الاتحاد حالياً. صدرت له العديد من الدواوين الشعرية، منها: (لو تعودين قبل أيلول – من نغم إلى نغم – سراج وغربتان وليل) وسواها؛ إنه الشاعر السوري قحطان بيرقدار الذي التقته صحيفة “الثورة” وقلبت معه بعضاً من أوراق تجربته الشعرية.
بداية تساءلنا مع الشاعر عن مصدر إبداعه الشعري، وإن كان ذا منبت واقعي بحت، أم خيالي مجرد، فأجاب بيرقدار أن: “الواقع هو مصدر هذا الإبداع في الدرجة الأولى، بمعنى أن كل ما يعتمل في ذات الشاعر من مشاعر وأحاسيس وانفعالات ورُؤىً وأحلام، مصدره الواقع الذي يعيش فيه، ويتفاعل معه، ويُؤثر كل منهما في الآخر”. وأضاف: “ومهمة الشاعر هنا هي صهرُ هذا الواقع في بوتقة الخيال، بمعنى إعادة إنتاج هذا الواقع مسربلاً بالخيال، وبذلك يأخذ النص الشعري طابعَهُ الجمالي المدهش، ومن ثم يلعب دوره التأثيري في المُتلقي، فالإبداع الشعري يشتغل على العلاقة التكاملية التفاعلية بين الواقع والخيال، إذ إن تصوير الواقع كما هو دون أي أبعاد خيالية لا يصنع نصاً شعرياً حقيقياً، كما أن هجران الواقع كلياً، والاعتماد على النحت التخييلي فقط لا يصنع نصاً شعرياً حقيقياً أيضاً”.
الملكة الشعرية
وعند تناول موضوعة الملكة الشعرية، وإن كان يعتمد في نتاجه الشعري على هذه الخاصية وحدها، أم أنه يوشي أشعاره ببعض المحسنات البديعية، أو فنون القول الأخرى، أوضح بيرقدار: “إن المَلَكة هي الأساس، ما في ذلك من ريب، لكن الشاعر عبر تراكم الخبرات يلجأ إلى خيارات فنية عدة، وهو يكتب نصه الشعري، فقد يلجأ إلى المحسنات البديعية مثلاً، وقد يلجأ إلى توظيف السرد القصصي في الشعر، أو توظيف الحوار المسرحي، وقد يعطي نصه أبعاداً دراميةً، وقد يلجأ إلى التصوير الحي المؤثر، وكأنه يرسم بالكلمات رسماً”. وأردف: “إن كل ذلك يكون بالتأكيد في سبيل توليد نص شعري جميل ومؤثر، وله صفة الديمومة إن أمكن، لكن من الضروري الإشارة هنا إلى أن يحرص الشاعر على الابتعاد عن التكلف في أي أسلوب فني يلجأ إليه في نصه، بل أن يترك للسجية الشعرية دورها مع ممارسته نوعاً من الرقابة العقلية الواعية على هذه السجية، لأن أي فعل مُتكلف هو فعلٌ غير جمالي، ومن ثم فهو غير مؤثر”.
وحول التجارب الشعرية التي أفاد منها قحطان بيرقدار، وفيما لو أن هناك تجربة بعينها أثرت فيه فحاول السير على نهجها، أجاب: “أفدتُ من تجارب شعرية عدة، قديمة وحديثة، لا أستطيع حصرها في هذه العُجالة، لكن قد أشير إلى بعضها، ففي بداياتي أفدتُ من نزار قباني، ومحمود درويش، والجواهري، وبدوي الجبل، وعمر أبو ريشة، ثم اطلعتُ بكثرة على الشعر العربي القديم في عصوره كافة، فأفدتُ من شعراء أفذاذ عدة، وكانت قراءاتي لدواوين الشعراء قراءات تَفحص واكتشاف أكثر مما هي قراءات خُضوع وتأثر وتَقمص، بمعنى لم أسِر على نهج شاعر مُحدد بقدرِ ما حاولتُ صَهرَ كل ما قرأته من دواوين في ذاتي، وتخزينه بوصفه رافداً لتجربتي على المدى البعيد، يظهر حيناً، ويختفي حيناً آخر، وكان هاجسي دائماً هو ابتكار صوتي الخاص وأسلوبي الخاص، لذلك لا آخذ قصيدتي إلى ما ليس يعنيها، وإن انشغلَ الناسُ كلهم بهذا الذي لا يعني قصيدتي، بل أبقى محافظاً على صوتي، وصادقاً مع نفسي، ومُعبراً عن تجربتي الحقيقية”.
قصيدة الطفل
وعلى اعتبار أن بيرقدار هو شاعر يكتب القصائد الموجهة إلى الأطفال كذلك، فقد بحثنا معه الآلية التي يقارب عبرها ذائقة الأطفال، والكيفية التي يختار من خلالها مفرداته عند الكتابة لهم، فكان أن بين: “إن الكتابة للأطفال تحتاج ثقافةً وخبرةً من نوع خاص، كما تحتاج اطلاعاً واسعاً على ما كُتِبَ لهم قديماً وحديثاً، واطلاعاً على العلوم المَعنية بالطفل كعلم نفس الطفل، وعلوم التربية، وما إلى ذلك…”. وأضاف: “إن الأهم من ذلك، أنها تحتاج احتكاكاً مباشراً بعالم الأطفال لفهم مفردات هذا العالم، ومن ثم التعبير عنه أفضل تعبير بلغة الأطفال ومفرداتهم وطريقة تفكيرهم، فمن الضروري أن يجد الطفل في القصيدة المُوجهة إليه ذاته وأحلامه، وميوله وعالمه كله مرسوماً بمفردات بسيطة، وبتصوير فني جميل وقريب التناول، وبموسيقا عذبة، وأحاسيس مرهفة. هكذا أتعامل مع قصيدتي الشعرية التي أكتبها للطفل، فإن فهمَها الطفل، وحفظَها، ورددَها فإنها تكون قد وصلت إليه، وأثرت فيه، وإن نفرَ منها، وعزفَ عنها فثمة مشكلة في هذه القصيدة، وتحتاج إعادةَ نظر”.
فروق جوهرية
وحول الفروق الجوهرية التي قد تظهر جلياً عند إنشاء مقارنة بين الكتابة للأطفال، والكتابة لسواهم، أكد بيرقدار: “إن ثمة فروقاً جوهرية بين الكتابة للأطفال والكتابة للكبار، بالطبع، وإن كان ثمة مشتركات أساسية بينهما، كضرورة توافُر الموهبة الحقيقية لدى الكاتب”. وتابع: “غير أن الكتابة للأطفال تأخذ منحى أكثر صعوبة، إذ على الكاتب للأطفال أن يُراعي أشياء عدة، فهو من جهة يحرص على أن يُقدم نصاً إبداعياً جمالياً مؤثراً يفهمه الطفل جيداً، ويحبه، ويستمتع به، ومن جهة أُخرى، على نصه أن يكون مُعلماً للطفل ومُربياً ومرشداً له وبانياً لذاته وأحلامه وتطلعاته ورؤاه. وبعيداً عن قضية الفروق بين ما يُكتَبُ للأطفال وما يُكتَبُ لسواهم، أشير هنا إلى أن العمل الإبداعي الذي يحبه الطفل ويتعلق به، سيحبه الكبير أيضاً، ويتعلق به، وهذا ما نلاحظه في كثير من الأعمال الإبداعية العالمية الشهيرة التي كُتِبَت للأطفال، والتي أحبها الكبار أيضاً وتعلقوا بها”.
القصيدة المُغناة
وأجاب عند السؤال عن رأيه في القصيدة الملحنة والمغناة، ولا سيما أنه قدم البعض من هذه القصائد، وعن الآليات التي ينتهجها عند كتابة هذه القصيدة، سواء من ناحية العبارة، أم الأسلوب: “إن غالبية ما كتبتُهُ من قصائد للأطفال منذ بداية مسيرتي في هذا المجال، كنت أكتبه لهدف التلحين والغناء، إذ إنني عملتُ طويلاً في تأليف شارات أفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة والفيديو كليب المُوجه إلى الطفل، وقد عُرِضَ كثيرٌ منها في قنوات تلفازية عدة معنية بالأطفال، أما آلية كتابة الأغنية الموجهة إلى الطفل فلا تختلفُ كثيراً عن آلية كتابة القصيدة الموجهة إليه، فأنا أُراعي في كلتيهما اللغة البسيطة السهلة، والتصوير الفني القريب من ذهن الطفل، وأحرص على توافُر عنصر القص والمشاهد البصرية المتنوعة، إضافةً إلى اختيار الأوزان العروضية القصيرة والقابلة للتلحين والغناء، والتي تعلقُ بأُذن الطفل، فينجذب إلى القصيدة أو الأغنية ويتعلق بها. وأضاف: “وعن رأيي في الأغنية الموجهة إلى الطفل عموماً، فثمة ملاحظاتٌ عدة أُسجلُها، وأنا أتابع ما يُبَث للأطفال عبر القنوات التلفازية المعنية بالطفل، من مثل قلة الاهتمام بأن تكون اللغة الفصحى التي تُكتَبُ بها الأغنية سليمةً نحوياً، إضافةً إلى وجود كسور في الأوزان العروضية في كثير من الأغنيات، والأخطر من ذلك اعتماد بعض الأغنيات على الوعظ المباشر للطفل وأسلوب “افعل ولا تفعل”، وأحياناً تسييس الأغنية، أو تحميلها أبعاداً فكريةً وأيديولوجية مُعينة لا تصلح إلا في مجتمعات مُحددة، والقليل فقط مما يُبث للأطفال من أغنيات تُرفَع له القبعة”.
المشهد الشعري المعاصر
وعقّب الشاعر قحطان بيرقدار على ما يموج به المشهد الشعري اليوم، من شعر وشعراء، على اعتبار أنه شاعر في المقام الأول، ومقرر جمعية الشعر في اتحاد الكتاب العرب، بالقول: “المشهد الشعري اليوم مُتنوعٌ، ومُتعددُ الصفات والأحوال، ولا يمكن الإحاطة بكل ما يتعلق به، وقد اختلطت الأمور بعضها ببعض، ولا سيما في أثناء الحرب التي شُنت على سورية، فقد ظهرت على نحو سريع أسماءٌ كثيرةٌ في دروب الشعر، وانتشرت الملتقيات والمنتديات في المطاعم والمقاهي، وكَثُرَت الصالونات الأدبية، كما لعبت وسائلُ التواصل الاجتماعي مثل “الفيسبوك” دوراً كبيراً في ظهور المزيد والمزيد من الأسماء، وكذلك الجوائز والمسابقات الأدبية المنتشرة في غالبية الدول على اختلاف مكاناتها وقيمها، لعبت دوراً في ظهور أسماء كثيرة أيضاً، حتى بات المشهد للمُراقب الموضوعي، وكأنه في فوضى عارمة، وباتت كلمة “شاعر” لصيقة بكثير ممن لا يستحقونها، لكن على الرغم من كل ذلك ثمة أسماء شعرية سورية مهمة من مختلف الأجيال، وفي محافظات وقُرى سورية عدة، أثبتت نفسَها، ولا تزال، وتستحق الوقوف على تجاربها، ودراستها، ومتابعتها”.

التاريخ: الثلاثاء20-10-2020

رقم العدد :1017

 

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها