الثورة أون لاين – ليندا إبراهيم:
بات حديثُ العامة ، والكثرة الكاثرة من الشريحة المثقفة النخبوية والعامة ، أن الثقافة ” غير ذات أولوية ، الأمر الذي بدأ يتشكل كقناعة راسخة بما يفيدنا بأن الوقت ليس وقت العمل على الثقافة ، وثمة حربٌ كبرى لم تتضح معالم الطريق إلى نتائجها ، فضلاً عن أنها لم تضع أوزارها بعد ، بل ويقولون وقد اختلط الحابل بالنابل ، وما الذي يفيد فيما لو أتى فلان أو فلانة، أو تم تغيير القائمين على المفاصل الثقافية في هذا البلد أو ذاك ، ترى من سينتبه؟
أو يكترث؟ بل بات آخر ما يفكر به الكثيرون هو العمل الثقافي… يشهد على هذا تردي العمل الثقافي وواقع عمل وذهنية الكثير أيضا من القائمين على العمل الثقافي ، بل ويشهد على ذلك تشرذم المثقفين والكتاب وأصحاب الرؤى والمشاريع الثقافية ، لدرجة ذهاب البعض إلى المقلب الآخر من المواجهة في وطنه ، بل وانحدار وانحطاط قيم ومواقف البعض الآخر لدرجة الغثيان، وكثيراً ما نتناول في أحاديثنا العامة الرسمية وغير الرسمية هذا الشأن بكثير من الألم والأسف من أن المثقف الحقيقي لم يقيض له أن يكون في مواقع القرار الثقافي المتقدمة ليحدث هذا الأثر ، على الحرب…
ولأننا سوريُّون… توجَّهنا “بعد فترة سُبات الكورونا”، وحربٍ تواصل عامها العاشر بوضوح ، لتلبية أكثر من دعوة لإحياء طقوس الشعر ، وإشاعة الحياة في الوسط الثقافي الرسمي السُّوري ، لم نكترث لكل ما قد يثنينا عن همِّنا في دمشق وغيرها من مدن الفكر والثقافة والحضارة… من بلدنا سورية أسِّ الدنيا.. ومهبط الآلهة…
توجَّهنا إلى دمشق، وكنا كمن خرج من غفلة “أهل الكهف”، يريد أن “يخلص نجيا”، وقد حسب أن الدنيا ما زالت هي الدنيا ، وأن صدر الأم ما زال متلهفاً لاحتضان حنيننا ، وأنَّ قلب الأب الكبير تائق لعودتنا…
كل شيء كما هو… قاسيون بجبروته… بردى بحنينه… جسر فيكتوريا… الهافانا… ساحة الحجاز… عراقة أحيائها… ونسماتها الوارفة… ولكن كل شيء غريب…
كان جسدها بلون الحزن ، كأن لم يعرف عاشقاً منذ زمن بعيد… كان يختصر حزنه ويختزل ألمه عبر صياح الباعة الجوالين… وضجيج الحياة المثقلة بهموم الحياة… وكأن دمشق في مخاض عسير.. كنفوسنا كأرواحنا بعد عناء مديد…
نحن بأشد الحاجة للثقافة ودورها أكثر من أي وقت مضى ، وبحاجة لقلم الكاتب وفكر الباحث وريشة الفنان ونوتة الموسيقي التي تجتمع بشكل حر تلقائي لتقول ما بداخلها بكل حرية وبلا وجل أو خوف ، الثقافة ليست طقساً للرفاهية وقت الأزمات ، ولا مجرد مهرجان نقيم طقوسه ونمضي ، بل هي فعل حياة…
ما أحوجنا إلى الفعل الثقافي الحر ، الذي ينبض خدِراً تحت شغافنا، ويرقد متبلداً هناك في الزاوية القاتمة للعقل والروح والفكر مقصياً مهمشاً محايداً ، ينهش بنا ، لنقول الكلمة الفصل في الوقت الفصل .
من باب أولى ألا يحتاج المثقف لمن يدعوه ليأخذ دوره الذي خُلِق له ، ومن باب أولى أن نحقق نهضة نخبوية جمعية تكون هي الرافع والحامل لنخرج من هذا المستنقع…
نتابع كل شيء كل ما ينشر ويذاع ويضخ عبر جميع الوسائل والمنابر المعروفة المتاحة ، لكن لا يرف لنا جفن وكأننا نمر على كلام موتى في القبور…
إذا كان كل ما حدث من حولنا في عقد الأزمة لم يستنهضنا ، وإذا كانت دماء الشهداء والضحايا وأرواحهم لم تستصرخنا لننهض بأحقية هذه الدماء وهذه الأرواح ، إذا كان الانهيار الأخلاقي الذي رافق كل هذا لم يوقظنا من رقدتنا ، إذا كان الزلزال الإلهي لم يزلزلنا فمتى إذاً… ومن نحن…
هذا برسم المشهد الثقافي العربي وليس المحلي فقط…
صرخة السياب ، والشابي ، وقباني ، ودرويش ، وونوس ، وحز سكين قصائد عدوان والماغوط وصرخة سنية صالح المظلومة بلا صدى لا زالت نابضة عابرة للأجيال والعقول… فمن نحن…
وكأننا أصبنا بنقص المناعة الوطنية ، إذ لم يقيض لمشروع ثقافي نهضوي عربي حديث بأن ينشأ فيتبلور فيكون قائد الأحداث ونبراس الطريق