الثورة أون لاين – عمار النعمة:
“تاريخ المسرح تاريخ الحياة، يكاد أن يكون قد بدأ مع الحياة المجتمعية، وربما كان أداة التفاهم الأولى بين بني البشر” .
تاريخ المسرح” بجزأيه الأول والثاني” كتاب صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب ، ضمن المشروع الوطني للترجمة تأليف: فيتو باندولفي، ترجمة الأب إلياس زحلاوي، وصمم الغلاف عبد العزيز محمد.
يؤرخ هذا الكتاب للمسرح، فيمر على استعراض تاريخ المسرح غير الأوروبي، ويؤرخ بشكل مفصل للمسرح الإغريقي والروماني.
يتناول الكتاب أصول العرض فقد نشأ العرض من تبدل متنوع في الأصوات تمارس فيه التلاوة ومن تحوّلها الطبيعي الذي هو الغناء ، وتشكل الإيمائية والموسيقا شكلين آخرين متميزين وأساسيين من أشكال العملية ذاتها ، التي تنطوي في أساسها على إرادة التماثل مع شخصية أخرى متميزة بواسطة التكرار الطقوسي أو المحاكاة .
كذلك يبحث في التراجيديا ليؤكد أن دراسة طبيعة التراجيديا الإغريقية وتطوراتها تظهر بوضوح أن الفارق الزمني بيننا وبين التظاهرات المسرحية التي قدمت لها شكلها ، يجعل من المشكوك فيه وبمعنى ما من المستحيل الوصول إلى معرفة بخصائصها وطرق تعبيرها الفني ، فالنصوص التي خلفها أيسخيلوس وسوفو كليس كفيلة بأن تجعلنا ندرك عظمة هذه الظاهرة وأهميتها ، ولكن شهادتهم تمكننا جزئياً فقط من العثور على عناصرها ، فإن الذي يفلت منا اليوم بصورة محتمة في التراجيديا ليس مظهر المنصة وحسب بل أيضاً العلاقة القائمة بين العرض والجمهور .
أما الكوميديا فقد امتدت حسب المؤلف عهداً أطول من القرن الخامس قبل المسيح سنة 486 حيث أحرز الشاعر الكوميدي خيونيدس فوزه الأول في الديونيزيات الكبرى واشترك في الوقت نفسه في المسابقات الكوميدية التي تقام في مدينة “ماغنيزي” إلى عام 291 قبل المسيح وهو عام وفاة الشاعر ميناندروس ، والكلمة مشتقة من “كوموس” وهو الموكب والاحتفال اللذان كانا يقامان أثناء بعض الأعياد الوثنية.
التمثيليات : كان العرض في اليونان عيداً شعبياً يرتقب بفارغ الصبر وتظاهرة أدبية بارزة في آن واحد ، وكانت التمثيليات تتسم بطابع استثنائي وتتكرر كل عام في فترات منتظمة ، على شكل مسابقات درامية أو مهرجانات ، وكانت تشكل حدثاً تربوياً بالغ الأهمية بأسلوبها التربوي السمعي البصري المتداخل مع ديانة فُهمت وفقاً لأكثر معانيها أصالة ، ولذلك كان يشار على الأحداث بمشاهدتها .
الفصل الثاني تناول المؤلف (التراجيديون) فأشار إلى الرواد الذين لانعرف عنهم إلا القليل وهم تيسبيس وفرينيكوس وهما أول وأعظم التراجيدين ، وقد فقدت أعمالهما بالكلية فلم يتبق منها أي مقطع .
ثم عرّج في الحديث على الجوقة وقائد الجوقة لينتقل في الفصل الثالث إلى الكوميديين حيث تطورت الكوميديا بعد التراجيديا بنصف قرن ، وهذا يعود إلى طبيعتها بالذات ، وعلى الرغم من أنها نشأت من التطوف الديونيزي المسمى كوموس ومن جوقة تغني وتتدرج كموضوع مركزي وحاسم في صلب سياق من الفارس فإن اكتمال تطورها كعرض يدين كله للتراجيديا و من المؤكد أنه لولا هذا النموذج لم تكن لتنشأ بنية الكوميديا الإتيكية القديمة تلك البنية التي لن تتكرر أبداً .
في الفصل الرابع تتطرق الكتاب إلى نشأة المسرح اللاتيني وفيه جاء : خلافاً لما حدث في اليونان فإن نشأة المسرح لاترتبط في الحضارة اللاتينية بتظاهرات دينية ، ولكن (الباروديا) أو المحاكاة الساخرة وهي تتوقف على تطور ذي معنى أدبي متفاوت كان لعنصر الاقتداء أحياناً دلالة حاسمة فيه شمل سلسلة من الموضوعات المستمدة تارة من البيئة الأترورية – الكامبانية وطوراً من البيئة الهيلينية التي يندرج فيها تصوير على جانب كثير أو قليل من المباشرة لبعض النواحي الخاصة بالمجتمع الروماني ، فإن يكون أول شكل من أشكال التعبير المسرحي في روما ذا طبيعة هزلية وليس مأساوية يحدد بوضوح أصوله ووظائفه.
ويقدم المترجم الأب إلياس زحلاوي الكتاب بالقول : لقد عرفت بلادنا المسرح، ولا سيما في العهدين الإغريقي والروماني، وربما قبل ذلك، وأوابد بلادنا تشهد على ذلك، حيث قلما نجد مدينة أو بلدة قديمة لا يوجد فيها مسرح، ومع ذلك انقطعنا أكثر من ألف وثلاثمئة عام عن هذا الفن الجميل الأقرب إلى الحياة من أي فن آخر”.
في الختام : عسى أن يسهم هذا الكتاب في نهضة جديدة لمسرحنا الوطني ، ولاشك أن عمل الأب زحلاوي يتوخى ذلك، ويعطي المادة التاريخية بعداً روحياً ويبعث فيها الحياة