الثورة أون لاين – عبد الحميد غانم:
تمر في الثاني من تشرين الثاني الجاري، الذكرى الثالثة بعد المئة على جريمة وعد بلفور المشؤوم. ذلك الوعد الذي أعطى فيه من لا يملك لمن لا يستحق، ليكون النقطة الأولى لمعاناة الشعب الفلسطيني على مدار قرن وثلاث سنوات الماضية، من تهجير وقتل وتنكيل ومجازر بشعة أسفرت عن احتلال فلسطين وتهجير وتشريد شعبها وقيام كيان غريب في المنطقة واحتلال أرض عربية واستشهاد آلاف الفلسطينين والعرب.
لقد دمر الوعد الأسود مستقبل شعب بأكمله، لمصلحة حفنة من اليهود، جُمعوا من أصقاع المعمورة، لتقام لهم دولة تسمى “إسرائيل”، على أنقاض فلسطين، وأشلاء أطفالها ونسائها، ورجالها بدءاً بمجازر دير ياسين وصبرا وشاتيلا، وجنين، وكفر قاسم، وليس انتهاءً بالمذابح الدموية التي لا تزال تقتَرف ضد الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة.
تحل على الشعب العربي الفلسطيني، ذكرى وعد بلفور المشؤوم الذي منح بموجبه وزير خارجية بريطانيا (آرثر جيمس بلفور) في الثاني من تشرين الثاني 1917م اليهود المنتشرين في العالم “حقاً” في إقامة وطن قومي لهم في فلسطين استناداً إلى مقولة مزيفة: “أرض بلا شعب لشعب بلا أرض”، وقال حينها في رسالته إلى الزعيم اليهودي اللورد “ليونيل روتشيلد”: “إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية.
وجاء في العام التالي بعد اتفاقية الشؤوم (اتفاقية سايكس – بيكو) التي قسمت أقطار الوطن العربي كحصص لدى الدول الاستعمارية الأوروبية الغربية.
ومنذ تنفيذ الوعد بعد قرار التقسيم عام 1947 وحرب عام 1948 وقع الشعب العربي الفلسطيني ضحية مؤامرة الاستعمار البريطاني وأطماع الصهيونية العالمية، ولا يزال يكابد ومعه الدول العربية الويلات والمصائب على مرِّ الأيام جرّاء ما اقترفت أيدي بريطانيا العظمى والدول الأوروبية الاستعمارية حينها؛ من زرع كيان صهيوني غريب في الجسد العربي عبر تمكين الصهاينة من إقامة ركائز هذا الكيان عبر تسريع وتأمين موجات الهجرات اليهودية إلى فلسطين لزيادة عدد اليهود وتأسيس جيش العدو وتأهيله وأهدافه بالمساعدات العسكرية والتدريبية والمالية.
تأتي هذه المناسبة وذكراها الأليمة في الوقت الذي تتعرض فيه القضية الفلسطينية لمخاطر جمّة تتجلى باستمرار قوات الاحتلال الصهيوني في حصارها وعدوانها ومخططاتها الاستيطانية التوسعية بهدف النيل من إرادة الصمود والمقاومة للشعب الفلسطيني، وفي محاولة الإدارة الأميركية الحالية برئاسة ترامب تصفية القضية الفلسطينية من إعلانها ” صفقة القرن ” ونقل سفارة الكيان الصهيوني إلى القدس العربية الفلسطينية وتشجيع التطبيع العربي مع كيان العدو، في محاولة منها لتصفية القضية الفلسطينية وإلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وكل ذلك من أجل كسب ود الحركة الصهيونية ومنظماتها ولوبياتها في الانتخابات الأميركية القادمة.
كما تأتي في ظل استمرار فشل المجتمع الدولي وعجز الأمم المتحدة في إيجاد حل نهائي لأقدم صراع في التاريخ العربي الحديث.
لا تزال تداعيات “وعد بلفور” وآثاره الكارثية حتى هذه اللحظة تتسبّب في معاناة الفلسطينيين خاصة والعرب عامة، بدءاً من احتلال أرضهم وتهجيرهم وممارسة الإرهاب من قتل وتدمير ومصادرة حقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، كما تسبّب في مقتل وجرح مئات الآلاف، وتشريد الملايين من الشعب العربي الفلسطيني.
إن “وعد بلفور” يفتقد لأي أساس قانوني أو أخلاقي، وتتحمّل بريطانيا وأميركا والدول الغربية كل المسؤولية عن تبعاته وما نجم عنه من معاناة للشعب العربي الفلسطيني في تهجيره من أرضه، وفي سياسة التمييز العنصري التي يواجهها داخل فلسطين وللأمة العربية جرّاء ممارسات الاحتلال الصهيوني وعدوانها على شعوب المنطقة، وشكلت عقبة كأداء في طريق تحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة، وهددت ولا تزال تهدد بممارساتها وسياساتها العدوانية والعنصرية أمن المنطقة واستقرارها.
ستبقى القضية الفلسطينية القضية المركزية استناداً إلى المبادئ والواقع وما يفرضه هذا الواقع من ترابط بين ما يحصل في سورية وما يحصل في فلسطين.
وستبقى مقاومة سورية للمؤامرة وانتصارها عليها دعماً وتواصلاً مع مقاومة الاحتلال الصهيوني والانتصار عليه، وتحرير الأقصى وفلسطين والجولان وكل شبر من الأرض العربية التي يحتلها الصهاينة والمجموعات الإرهابية المتطرفة في سورية والعراق واليمن وليبيا وغيرها، وإفشال المشروع الصهيو ــ أميركي في المنطقة.
ويستمر موقف سورية الثابت والمبدئي الداعم لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشريف مع ضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم في فلسطين، وهو حق وطني وسيادي غير قابل للتصرف.
باعتبار أن المقاومة حق مشروع، وهي قائمة ومستمرة بمختلف الأشكال، حتى محو آثار جريمة وعد بلفور، وتحرير كامل التراب الفلسطيني، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة.
وضرورة توحيد الصف الفلسطيني ونبذ الخلافات الداخلية، وإنهاء حالة الانقسام واستعادة الأراضي المحتلة والحقوق كاملة بما فيها حق تقرير المصير وحق العودة.