الثورة أون لاين – سامر البوظة:
بعد خروجها رسمياً من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني الماضي ، تسعى بريطانيا بشكل حثيث لإبرام اتفاقيات تجارية مع العديد دول العالم لسد الفراغ الذي سيعقب عملية الخروج ، وإيجاد سوق بديلة ، وخلال الفترة الماضية ركزت الحكومة البريطانية اهتمامها صوب الولايات المتحدة التي تجد فيها متنفساً وداعماً رئيسياً لها بعد استكمال إجراءات الخروج بنهاية العام الجاري ، إلا أن المحادثات التجارية بينهما تباطأت في الأشهر الأخيرة على الرغم من وصولها إلى مراحلها الأخيرة .
واليوم بعد هزيمة صديقه دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ، يبدو أن الأمور لن تكون سهلة على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الذي كان يمني النفس ببقاء ترامب لإنجاز الاتفاق التجاري معه ، خاصة وأنه تجمعه ببايدن ذكريات سيئة ، كما أن بايدن معروف عنه معارضته لفكرة بريكست من دون اتفاق ، ودعمه العلني لأيرلندا الشمالية في وقت أن المحادثات التجارية بين لندن وبركسل قد ترخي بظلالها على العلاقة بين الرجلين خاصة بعد التحذير الذي وجهه بايدن لبريطانيا في أيلول الماضي من أن لا تأمل بإبرام اتفاق تجاري مع بلاده بعد دخول “بريكست” حيز التنفيذ الكامل في حال كان الاتفاق على حساب أيرلندا .
ويرى متابعون أن جونسون هو أكبر الخاسرين من هزيمة ترامب لفقدانه دعم حليف قوي يشترك معه في عدة قضايا خاصة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي ، والأهم من ذلك أنه مناصر لملف بريكست ، وفوز بايدن يفرض على جونسون تحديات كبيرة خاصة لجهة إقامة علاقات وطيدة معه ، كما يضعه أمام معضلتين أساسيتين ، وهما شكل الخروج من الاتحاد الأوروبي باتفاق أو من دونه من جهة ، وإتمام الاتفاق التجاري مع الولايات المتحدة من جهة ثانية ، فجونسون لن يجد الأريحية ذاتها في التفاوض مع الإدارة الجديدة ، وهو ما يدركه جيداً ، لذلك قرر عدم الاستعجال في الخروج من الاتحاد دون اتفاق ، وتراجع في اللحظات الأخيرة بعد أن أفادت المعطيات بأن بايدن سيكون الرئيس الجديد للولايات المتحدة ، الأمر الذي دفعه إلى تجميد المفاوضات مع بروكسل حتى تنجلي الأمور ، وهو ما أكدته أوساط خبيرة بأن رئيس الوزراء البريطاني تعمد المراوغة والمماطلة خلال الأشهر الأخيرة مع الاتحاد الأوروبي لربح الوقت ريثما تمر الانتخابات الأميركية حتى يتبين له إن كان قادراً على الاستغناء عن التفاهم مع بروكسل والتوجه غرباً نحو واشنطن .
واليوم وبعد أن اتضحت الصورة قرر جونسون الاستدارة نحو بايدن محاولاً تغيير نمط العلاقة بينهما ، حيث سارع إلى تهنئته بعد إعلان فوزه بالانتخابات لابل كان من أوائل القادة الأوروبيين المهنئين ، كما سارع لمغازلة واشنطن وتقديم فروض الطاعة للرئيس الجديد مبدياً إعجابه بالسياسة الأميركية وبالمفاوضين الأميركيين ، في محاولة لكسب الود على أمل التوصل إلى تفاهمات تجارية مع الإدارة الأميركية الجديدة ، قائلاً : إن أقرب وأهم حليف لبلاده هو الولايات المتحدة الأميركية التي يمكنها التوافق مع لندن حول تفاهمات تجارية رغم صلابة المفاوض الأميركي .
وفيما يتعلق باتفاق التجارة مع الولايات المتحدة قال جونسون : أنا تلميذ نجيب للسياسة التجارية الأميركية وهم مفاوضون أقوياء . لم أصدق قط أن هذا التفاهم مع واشنطن أمر يمكن أن يكون مهمة سهلة تماماً في عهد أي إدارة أميركية .
لكن بالرغم من ذلك تبقى بريطانيا على الصعيد السياسي حليفاً وفياً لواشنطن فهي تبدو أكثر توافقا مع بايدن ومع حلفائها الأوروبيين في ملفات عديدة لاسيما فيما يتعلق بالمناخ ومكافحة فيروس كورونا والعلاقة مع روسيا والصين وغيرها من القضايا ، وهو ما أكده وزير الخارجية البريطاني الذي قال في حديث لشبكة “سكاي نيوز” أمس : إنه لن يكون لدى الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن حليف أوثق أو يمكن التعويل عليه مثل بريطانيا .
ومن هنا يتضح مدى حرص بوريس جونسون وأعضاء حكومته على التأكيد على مدى التقارب بين الإدارة الأميركية الجديدة والحكومة البريطانية ، لكن السؤال هل ينجح جونسون في مساعيه في كسب ود الإدارة الأميركية الجديدة ، الأيام القادمة ؟