السياسات الأميركية في العالم لا تتبدل بتبدل الأشخاص، ولا تتأثر برحيل ترامب أو قدوم بايدن أو سواهما، فهي تسير على هدي أمرين لا ثالث لهما، إرضاء اللوبي الصهيوني وتحقيق مصالح ربيبته (إسرائيل) وضمان أمنها المزعوم، ثم تالياً تحقيق مصالح الشركات الاحتكارية الأميركية، التي تعين مندوبيها في السي آي إيه والبنتاغون والبيت الأبيض والكونغرس ممن يعبرون عنها خير تعبير، وينفذون حرفياً ما يطلب منهم من قبل الحكومة العميقة.
أما آلية تعاطي كل رئيس مع الملفات المقدمة له فقد تختلف في الشكل ليس إلا، مع الأخذ بعين الاعتبار أن طريقة تعاطي دونالد ترامب مع ملفات العالم كانت الأسوأ على الإطلاق، فقد حاول كتاجر الاستثمار بأزمات العالم وحروبه، وأساء التعامل مع حلفائه وأتباعه قبل الخصوم، وأضعف مكانة أميركا في العالم بل جعلها تبدو كعصابة مارقة على كل القوانين والأعراف الدولية.
ولعل المضحك المبكي أن ترامب وضع حتى مواطنيه في حظيرة الابتزاز والضغط مقابل الرعاية الصحية لهم، تماماً كما فعلها مع مشيخات البترودولار فأمن لحكامها الحماية وتعهد بضمان أمنهم ووجودهم على كراسي الحكم مقابل مئات مليارات الدولارات التي دفعوها لإدارته صاغرين.
وصدع ترامب علاقات بلاده مع روسيا والصين وتعامل معهما من منطلق القوة والأحادية والتفرد والغطرسة رغم أفول نجم الأحادية القطبية الأميركية، وصعودهما بقوة إلى المنصة الدولية، وجعل ترامب العالم كله يمور على فوهة بركان بعد نشره للإرهاب والفوضى الهدامة في الشرق الأوسط.
يقول الكثير من المحللين إن أميركا لن تكون في عهد بايدن أقل توحشاً وإجراماً، فهو وترامب وسواهما منفذون أو أدوات تنفيذية للإستراتيجية الأميركية التي ترسمها وتصنعها (الدولة العميقة) التي تسيطر الصهيونية العالمية على معظم مراكز القوى فيها، فقد يخنق أحدهم العالم بقفازات حريرية وقد يفعلها الآخر بقنبلة نووية، المهم أن الجميع يسعون لإرضاء الكيان الصهيوني الذي يصنع ساكن البيت الأبيض.
وإذا كان سبق لإدارة ترامب أن عمدت إلى سحب الولايات المتحدة من المنتديات العالمية على غرار منظمة الصحة العالمية واتفاق باريس للمناخ، فهل يعول أحد على بايدن مثلاً ألا ينسحب من مثل هذه المنتديات أو يمارس ضغوطه عليها؟.
ويبقى الأهم من هذا وذاك أن العالم سيحبس أنفاسه خلال الشهرين القادمين ريثما يتم تسليم الإدارة الجديدة مقاليد السلطة، لأن كل المؤشرات تدل على أن ترامب يتجه إلى ارتكاب حماقاته الأخيرة خلال الوقت المتبقي من ولايته، ولاسيما أنه أقال وزير دفاعه وبدأ يهدد ويتوعد الآخرين بالقصف والحروب دون أن يدرك مشغلوه في الحكومة العميقة أن الزمن الذي تفرض فيه أميركا سطوتها على العالم قد ولى إلى غير رجعة.
من نبض الحدث – بقلم مدير التحرير أحمد حمادة