الثورة أون لاين – ناصر منذر:
الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن قدم تطمينات للمجتمع الدولي بأن إدارته الجديدة ستمارس نهجاً مختلفاً عن سياسة ترامب المدمرة للعلاقات الدولية، وهذا طبعاً في سياق تذكيره للآخرين بـ(قيادة أميركا للعالم)، شأنه في ذلك كأي من الرؤساء الذين سبقوه، وقال أيضا إنه سيدافع عن (القيم الأميركية)، ولكن السؤال: هل استندت السياسات الأميركية يوماً إلى المبادئ القانونية، والأعراف الدبلوماسية، والمعايير الأخلاقية والإنسانية، كمرجعية أساسية ناظمة للعلاقات الدولية؟، وما هي (القيم الأميركية) التي سيدافع عنها الرئيس الجديد؟، هل يقصد (الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان) التي تدعي الولايات المتحدة بأنها (الرائدة) في هذا المجال؟.
بحال أخذنا وعود بايدن على محمل الجد، فإن أمام إدارته الكثير من الاختبارات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأخلاقية، ينبغي العمل على اجتيازها كخطوة أولى على طريق تلميع صورة أميركا الغارقة بالسواد، فهل سيكون بنيتها على سبيل المثال، التوقف عن شن الحروب ودعم الإرهاب، أو مراجعة السياسة الأميركية الخاطئة تجاه الكثير من القضايا العالمية، والكف عن تدمير قوانين الشرعية الدولية، وعتق المؤسسات والهيئات الأممية من التبعية والارتهان، والأهم من ذلك، هل ستتوقف عن ممارسة الإرهاب الاقتصادي الممنهج الذي ترتكب من خلاله الولايات المتحدة أفظع الجرائم بحق الإنسانية؟، حيث سلاح العقوبات الذي تستخدمه الإدارات الأميركية بحق الدول المناهضة لسياساتها يمثل أعلى درجات الوحشية والإرهاب، ونلاحظ أن هذا السلاح القذر تتشبث إدارة ترامب باستخدامه حتى اللحظة الأخيرة من عمرها السياسي، وسورية نموذج صارخ، وكذلك هي إيران وفنزويلا وكوبا، والعديد من الدول الرافضة لنهج الغطرسة الأميركية.
بايدن نفسه، هو أحد صانعي السياسة الأميركية القائمة على الإرهاب والعدوان، وعندما يتحدث عن (القيادة الأميركية)، فهو ينطلق من مبدأ واحد تقوم عليه هذه السياسة، بأن أميركا هي صاحبة الحق الوحيد بالتصرف في شؤون العالم، تقوده حسب أهوائها ومصالحها، وعلى الأخرين الخضوع لإرادتها ومشيئتها، وهذا العالم لم يخرج يوماً عن دائرة تصنيفها (محور خير ومحور شر)، وهي صاحبة المرجعية في تصنيف أي دولة أو كيان ضمن أي من هذين المحورين المتناقضين، والكيان الصهيوني على سبيل المثال يأتي على رأس قائمة (محور الخير)، وفق المرجعية الأميركية، وكذلك كل دولة شريكة بدعم الإرهاب والعدوان على سورية تصنف ضمن قائمة هذا المحور!!، وبايدن قال إنه (سيدافع عن الحلفاء، ويتصدى للخصوم)، فأي نوع من التغيير سيحدثه الرئيس المنتخب في الاستراتيجية الأميركية؟.
السياسات الأميركية لم ترتكز يوماً على القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية، وإنما على فائض القوة الغاشمة التي تمتلكها أميركا، وليس في مخزونها أي اعتبار لقيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، هي تحارب الدول، وتدمر شعوبها تحت يافطة هذه القيم، التي هي أكثر انتهاكا لها، وسياسة بايدن وإدارته بهذا الشأن لن تختلف عن سابقاتها، فثمة خطوط حمراء تضعها الحكومة العميقة، ممنوع على أي رئيس، أو أي إدارة أميركية جديدة تجاوزها.