الدبلوماسية الروحية.. الولايات المتحدة الإبراهيمية نموذجاً

سيدنا إبراهيم الذي نردده خمس مرات في صلواتنا يراد أن يكون وسيلة لاستعمارنا بكلمة حق يراد بها باطل، ففي إطار مسار التطبيع ومالاته ونكساته الشعبية رأى باحثون متخصصون في أهم الجامعات الأميركية أن ثمة حساسيات يثيرها مفهوم التطبيع عبر البوابة السياسية، واعتقدوا أنه يمكن تجاوز ذلك من خلال البوابة الروحية بالاستثمار السياسي لمعطى ديني وروحي هو نبي الله إبراهيم على خلفية أن إبراهيم هو أبو الأنبياء وهو الجذر الشائع الديني لأصحاب الديانات الثلاث، ويشكل قاسماً مشتركاً بينها وفي البحث في ولادة المصطلح أو المفهوم يشار إلى أن أول من تولى تبني وطرح وتسويق هذه الفكرة هي أشهر الجامعات الأميركية هارفارد وبنسلفانيا وفرجينيا، حيث أحدثت مراكز أبحاث خاصة فيها عن الإبراهيمية إضافة لمركز راند التابع للمخابرات المركزية الأميركية ومركزين أقامهما توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بهذا الخصوص تحت عنوان الحوار الشعائري أي الشعائر الدينية، حيث قام مؤخراً بإقامة صلاة سماها صلاة الكورونا جمع فيها أصحاب الديانات الثلاث لجهة الخلاص من ذلك الفيروس، والهدف طبعاً هو أن يجتمع الجميع تحت سقف ديني واحد، وكانت فكرة الإبراهيمية قد مرت بثلاثة مستويات كفكرة عام 1990ثم كمستوى سياسي وطرح عام 2000وصولاً لمأسستها عام 2013.
وبداية يمكن الإشارة إلى أن سيد نصير المصري الذي اتهم بقتل الحاخام مائير كاهانا في نيويورك والذي لم يتم إعدامه لأن هيئة المحلفين قد رأت أن الرصاصة التي قتلت كاهانا لم تكن قد أطلقت من مسدسه وسيد نصير هذا كان قد تقدم بدراسة للساسة الأميركيين بدءاً من بوش الأب يرى فيها مخرجاً لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتخدم الأمن القومي الأميركي، وقد وصلت لاحقاً أخيراً لديك تشيني نائب الرئيس الأميركي، وهيلاري كلينتون فتم تبنيها ويرى في تلك الدراسة أن حل الصراع بالمنطقة لن يكون إلا بإقامة اتحاد فيدرالي بين دول المنطقة يتأسس على حدود دينية هي مسار إبراهيم عليه السلام وهي عملياً حدود إسرائيل التوراتية من نهر مصر إلى نهر الفرات وتشكل اتحاداً ولها قيم دينية مشتركة وجيش واحد ودستور يتضمن القيم المشتركة بين الشرائع الثلاث، ثم جرى تطوير الفكرة لتصبح اتحاداً فيدرالياً يضم دول المغرب العربي وإيران وتركيا ثم تم طرحها سياسياً عام 2000لتتطور وتتولاها المؤسسات السياسية الأميركية، حيث تم عقد مؤتمر عام 2013 دعت إليه وزارة الخارجية الأميركية في عهد هيلاري كلينتون حضره مئة شخص من علماء الدين والفكر والسياسة من كل المذاهب وسمي الدبلوماسية الثانية أو الفرعية لبحث فكرة الوصول إلى قيم مشتركة بين الديانات الثلاث تصدر في كتاب له طابع القداسة ما يعني نزع القدسية عما عداه وكذلك إيجاد أماكن عبادة تمارس فيها طقوس الديانات الثلاث أماكن عبادة إبراهيمية ويجري تسويق مضامينه ومضامين فكرة الولايات المتحدة الإبراهيمية عبر مراكز الأبحاث والدراسات سينا وأن جامعتي فلوريدا وهارفارد قد قدمتا بحثين متكاملين عام 2015 تضمن رؤية تفصيلية للمشروع على أن تتولى وزارة الخارجية الأميركية تبنيها وترويجها ووضعها على الخريطة السياسية ويكون ذلك عبر شبكة ثلاثية تتوزع في العالم منها رجال الدين أو المؤمنين الفاعلين بالمجتمعات أيضاً وخاصة المتصوفة في العالم وهم الذين يؤمنون بالإيمان كفكرة أيا كانت فالمهم أن تؤمن بفكرة سواء كنت من اتباع الديانات الثلاث أم خارجها إضافة لما يسمى القادة الروحيين وأسر السلام حيث يتم اختيارهم وتدريبهم في مراكز خاصة نظراً لتأثيرهم في المجتمعات وتحت مسمى إنساني لتغطية نشاطاتهم الهادفة.
وتجدر الإشارة إلى أن المنظر الأميركي فرانسيس فوكوياما صاحب أطروحة نهاية التاريخ كان قد قدم مراجعة نقدية لأطروحته تلك رأى فيها أنه لابد من عملية صهر للأديان تحت مسمى دين عالمي وهو ما تبناه وتحدث عنه أيضاً الرئيس باراك أوباما، وهذا يشير إلى مسألة اقتفاء السياسيين الأميركيين لما يطرحه المنظرون والمفكرون من مفاهيم ورؤى وتبنيها كسياسات وخطط استراتيجية وكذلك ما قام به كوشنير مستشار الرئيس الأميركي من دور في ذلك وقوله إن هدف صفقة القرن إزالة الحدود السياسية بين دول المنطقة وهذا يؤكد ارتباط هذا القول بحدود المسار.
المرتبط بحركة إبراهيم عليه السلام من العراق إلى مكة وفلسطين مروراً بتركيا وسورية والأردن ومصر إلى درجة أن الرئيس ترامب أطلق على اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات الاتفاق الإبراهيمي وليس اسم المكان ككامب ديفيد أو أوسلو أو وادي عربه هذه الولايات المتحدة تقوم على حدود معينة أسبقها وثيقة تقوم على قاسم مشترك بين الأديان الثلاثة وإقصاء كل ما هو محل خلاف أي الوصول إلى وثيقة قيم مشتركة تعتمد على إعادة قراءة النص الديني وتأويله ولكن الأكثرية فيها أي النصوص المشتركة ستكون للديانة اليهودية لأن الديانات الثلاث تعترف بها بينما هي لا تعترف بكل تلك الديانات لأنها جاءت بعدها ونهلت منها ناهيك عن أن فكرة أرض المسار لا تعطي الحق بالأرض لشعوب تلك المنطقة بل تراها أراضٍ دولية أو مدولة وتنزع طابع القداسة عن أيّ أرض بما في ذلك القدس حيث تسمى مدينة إبراهيم يطمئن الجميع وينهي الصراع السياسي والعسكري ويكرس فكرة التسامح وهذه الولايات المتحدة سيكون مركز القيادة فيها للتفوق العلمي أو الرأسمال المعرفي بهدف الاستثمار الأمثل لمواردها وهنا ستبرز كل من إسرائيل وتركيا بالموقع المتقدم، وهنا تستحضر كتابي شمعون بيريز شرق أوسط جديد وكذلك مكان تحت الشمس اللذين ينظران لهذه الفكرة أي العقل اليهودي والمال العربي وتجدر الإشارة للثلاثي الأميركي الخليجي الإسرائيلي أي إنه يمثل المسيحية والإسلام واليهودية والعنوان العريض هنا هو فكرة الإيمان ولكي لا تثار الحساسيات خارج اتباع الديانات الثلاث يتم تسويق فكرة أن الإيمان هو الإيمان بأيّ فكرة أو عقيدة أيا كانت إضافة إلى هدم الهويات القومية والوطنية والتركيز على الهوية الإبراهيمية ونبذ الخلافات القائمة على حوامل دينية لأنها أساس الإرهاب والتطرف وإبراز الخطابات التسامحية وتشجيع الطرق الصوفية وخطابها (الدبلوماسية الروحية) التي تدعو للزهد والكشف والاتحاد مع الخالق.
مما تقدم تبرز خطورة تلك الفكرة على وجودنا الحضاري والتاريخي والهوياتي وتصبح مهمة مواجهة هذه الفكرة الخطيرة وهي في طور التشكل من مهام المؤسسات الثقافية والبحثية إضافة للمواجهة الشعبية والفاعلين الثقافيين ورفض أي تسويق لها عبر نافذين سياسيين ومثقفين تم اختيارهم لترويجها بوصفهم مؤثرين في الرأي العام إضافة لمخاطرها على الهويتين الوطنية والقومية وضرب بنية فكرة المواطنة والوطن القائمة على حامل قانوني وثقافي وحضاري.

إضاءات -د. خلف المفتاح

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى