بالتربية والتعليم ..نرمم رأس المال الاجتماعي

الثورة أون لاين -بشرى سليمان:

تستحضرنا في كثير من الأحيان ماكنا نعايشه في صغرنا من توصيات الأهل اليومية، والتي قد تصل حد الصرامة وعدم النقاش ان لم نسلكها قولا وفعلا فيما يخص جانب قول الصدق اذا ماخالفنا في أمر من الأمور ، مع التأكيد على احترام كبار بالسن، والمعلمة والضيوف، والأقارب، وحب الخير، و مساعدة الآخرين، و الابتعاد عن الأذى و عشق الانتماء للأرض و الوطن.. إلى ذلك من توجيهات وتوصيات رسخت في عقولنا رسوخ النقش على الحجر، وكانت على بساطتها تكاد تكون مفاتيح ضرورية لحياة مستقرة هانئة بعض الشيء، فالأهالي والأسر الذين يحسنون تربية أبنائهم على القيم والفضيلة وحسن التعلم لاشك أنهم يقدمون للمجتمع أبناء ناجحين مسلحين بالعلم و الوعي والأخلاق.
على الرغم من أن الكثير من آبائنا لم يكونوا حاصلين على شهادات عليا، أو ثقافة في أصول التربية الحديثة، أو حتى أن بعضهم لم يكن يعرف القراءة ولا الكتابة لكن كان لديهم ذكاء فطري مميز، وحكمة حياتية، طبقوها بالالتزام بالأسرة و الحرص عليها و تحصينها بالمحبة والاحترام وحب العلم متخذين أسلوب الحزم مرة و الحنان مراتٍ أخرى .
لقد كانت حياةً جميلةً رغم قساوتها في بعض الجوانب،حيث كان التكاتف الاجتماعي هو السمة الأبرز لأناسها، وهذا مازاد المجتمع تماسكاً و تراحماً وأمناً و أماناً.
أما نحن اليوم فقد كبرنا، ورأينا كيف تغير احساس الماضي بحجة التقدم، ومواكبة التطور، إلى أن وجد العديد منا أنه أسير لمواقع التواصل الاجتماعي والتي ساهمت إلى حد ما ربما في تغير جوهر الإنسان و معدنه، فلم يعد بعضنا نقيا أو صادقا مع ذاته ، ولم نعد نحترم كبير السن، ولم نعد نتعاطف مع الضعيف، ولم نعد نغرس في نفوس أطفالنا مانقشه أهلنا في قلوبنا قبل عقولنا من صفات حميدة .
وفي هذا السياق يذكر المعلم مازن علي “مرحلة التعليم الابتدائي” أنه في السابق كان للمعلم مكانة واحترام عند الأهل و الأطفال لأنه شريك هام في عملية التربية وهو قدوة لطلابه في أخلاقه و قيمه التي يعززها بينهم بحب العلم والتعاون والغيرية والصدق ،فيما الآن كما يقول فقد تراجع دور المعلم كثيرا حتى أنه فقد دوره التربوي، ربما بسبب الظروف القاسية التي تعرض لها المجتمع السوري وكذلك ثورة المعلومات و الاتصالات بما أحدثته من تغيراتٍ كبيرةٍ بحياة الناس وتعاملاتهم ، إضافةً إلى التأثير على العادات و التقاليد والقيم، وضعف الترابط الأسري و الاجتماعي، فلم يعد أحد يسأل عن الآخر إلا عبر وسائل الاتصال الحديثة.
أما المدرسة عبير مرشد لمادة الفلسفة فقد رأت أن تغير العادات والقيم ليس من صنع الزمن وقد سبق لأحد الشعراء الإجابة على ذلك بقوله :
نعيب زماننا و العيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا.
فنحن من هجر تلك العادات و التقاليد الجميلة، ليدخل الفتور علاقتنا الاجتماعية، ونحن الذين طبقنا مكارم الأخلاق بالقول لا بالفعل، فتفككت الأسرة نواة المجتمع، وضعفت الروابط بين أبنائها بحجة العصرنة والحداثة و التجديد، كما أن غلبة الحضارة الغربية في أغلب مجالات الحياة، حولت القيم المجتمعية السائدة الى قيم عالمية، تعلي المصلحة الشخصية و حسابات المكسب و الخسارة.
وبينت الآنسة نعمة الحسين مديرة “روضة” بان الإنسان لايولد مزوداً بمنظومة القيم، ولكنه يتعلمها ويكتسبها من خلال عملية اجتماعية تربوية مقصودة، تعتمد على التفاعل بين أفراد الأسرة و المجتمع،كما أن للآباء الدور الأهم في بناء هذه المنظومة خاصةً في مراحل العمر الأولى، التي تمثل أهم الفترات، في غرس القيم وبنائها لدى الأولاد، ويكون ذلك بالحب و التفاهم، لأن الطفل يتمثل قيم من يحب،وبالتالي فإن القدوة هي الوسيلة الأكثر اختصاراً وتوفيراً للجهد و الوقت، والأكثر تأثيراً في غرس القيم لدى الطفل، لأنه يكتسب معظمها من خلال المحاكاة و التقليد، وهناك وسائل أخرى كاستثمار المواقف و الأحداث التي يمر بها الطفل، أو أحد أفراد أسرته لفتح حوار حول القيمة المتعلقة بكل موقف، وكذلك أيضاً القصص والحكايات التي تتسلل بما فيها من قيم ومعان وأفكار وسلوكيات الى أعماق الطفل دون استئذان فتترك أثراً عميقاً ممتداً في شخصيته.
فيما يشير المهندس أحمد نجمة ،إلى أن الإنسان يستمد القيم و القواعد التي يتعامل بها مع أفراد المجتمع من عدة مصادر أهمها الفلسفة والدين، ويأتي الدين كأول مصدر تشريعي للقيم النبيلة التي أتت بها الرسائل السماوية، والتي كان مرتكزها الأخلاق و مكارمها ،ولابد لنا من الاعتراف بوجود خلل أو صدع في منظومة القيم السائدة في مجتمعنا، إذ يمكن أن نرجع سببه الى ضعف التربية المنزلية و تراجع دور المؤسسة التربوية و الدينية وعوامل أخرى كالحرب و الفقر ماأدى الى أزمة قيم، لا بل تحول في بعض السلوكيات إلى عنفٍ مجتمعي وكوارث اجتماعية تؤثر بشكل وآخر على التعايش المشترك. متمنيا زوال هذه الظاهرة الدخيلة والطارئة على مجتمعنا، من خلال العمل على استرجاع المسلمات التربوية التي استقيناها من الأسرة والمدرسة والجيران :مثل المسؤولية، والمساواة، ومبدأ الاحترام ، وتقبل الحوار والنقاش، و النقد البناء، والصبر، و العمل التعاوني، و المشاركة ،و المبادرة، هذه السلوكيات كانت متصدرة في أيامنا كصمام أمان ضد تفشي الظواهر السلبية من حولنا، كما كانت حجر زاوية لبناء سلوكيات إنسان سوي قادر على العطاء والبناء والتغيير.
من جهةٍ أخرى يوضح الدكتور إبراهيم ملحم عضو الهيئة التدريسية في جامعة البعث قسم علم الاجتماع في لقاء معه :
أن التغيير الاجتماعي سمة أساسية لعصر التكنولوجيا وعصر المعلومات ولم يكن بحال ان يكون التغيير الاجتماعي احادي الجانب ، فقد فرض التغيير تغيرا قسريا على الرؤى والنظريات التربوية لتجسد واقعا جديدا يفرض سمات المجتمع الافتراضي للعالم اللامحدود ،.
فالتربية لم تعد محلية بل أصبحت عالمية وتتشارك فيها كافة وسائط التواصل الاجتماعي وقنوات الإعلام المحلية والعالمية والغلبة للأكثر تأثيرا وإقناعا.لافتا الى أن التغيير الاجتماعي سمة طبيعية، مذكرا هنا بقول الرسول محمد عليه الصلاة والسلام “لاتعلموا أولادكم عاداتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم” وبالتالي كان لابد من ان يتماشى التغيير مع متطلبات العصر إلا أن الحكم عليه بأنه سلبي أو إيجابي يتطلب رؤية جديدة، ويرى الدكتور ملحم أننا مطالبون جميعا بإعادة النظر في مسلمات التربية والتعليم والتي فرضت واقعاً جديداً، حتى أن نظريات التعلم التي درّسناها للطلبة في الجامعة لعلماء مشهورين كنظرية “بياجيه ” وغيرها باتت أمام محك حقيقي، فجيل اليوم أسرع في التعلم ، ولم يتأثر بالقيم المحلية او الأصيلة فهو يتسابق في عالم سريع التغيير، لذلك إذا كنا حريصين على إعادة الصبغة الوطنية وتشكيل الهوية الوطنية يجب النظر بمناهج التربية منذ مرحلة رياض الأطفال لتعود وتحمل الهم الوطني والشخصي النمطية للعادات الأسرية ، فالقيم كما يعرف الجميع هي قيم تعاش وتعلم بالتعايش والسلوك السوي، و أن بصمات التربية تتضح مع تطابق مخرجات التعليم .
وأضاف ملحم إن الحرب الجديدة قد كسرت الهوة القديمة، وفرضت قيماً غير صحيحة ولايمكن اعتبارها قيماً أصيلة، والخطورة تبدو هنا في أن تعتبر القاعدة، والقواعد الأصيلة استثناء، في ظل وضع اجتماعي صعب من خلال انعدام الأدوار وانحسار الدور التربوي في الأم، وتعاظم دورها مع ازدياد عدد الشهداء من جهة، ومع غياب الآباء نتيجة الانخراط في اقتصاد العنف ، وارتفاع مستويات الفقر، فقد فرض قيما مادية للحضارة المادية ، والذي يترافق مع غياب سلطة المراقبة الدقيقة عن التسرب المدرسي وغياب الرقابة عن نوعية المنهاج والمقررات التي تدرس بصبغات محلية دينية في بعض المناطق بعيدا عن الهم الوطني الواحد.
ويتابع عضو الهيئة التدريسية حديثه بالقول :إن التربية الحديثة تتطلب رؤى وفلسفات تتساعد فيها جميع مكونات البناء السوري ولاسيما الإعلام والتربية لإعادة غرس القيم الأصيلة ونبذ السيء أو السلبي منها، وهذا لا يتحقق الا بالرقابة الإعلامية الذاتية على الفوضى الإعلامية وتأثيراتها على جيل “الآيباد” من جهة ، ومن جهة أخرى وضع بديل محلي من خلال منصات التعليم الإلكترونية المحلية في ظل غياب ثقافة محلية تتعلق بالوعي والصحة والإرهاب والفقر والجنس والمرض والعادات المحلية.
وفي النهاية يؤكد الدكتور ملحم ان رأس المال الاجتماعي ، الذي بدأ يتآكل نوعا ما نتيجة ظروف الحرب العدوانية على بلدنا لم ولن يترمم إلا في حالة إعطاء التربية والتعليم الأولوية وإعادة النظر بمناهج المرحلة الابتدائية ، وتحسين الوضع النفسي والاجتماعي المعيشي للمعلمين والقائمين على إدارة العملية التعليمية وتبني سياسة صارمة قانونية تمنع وتعتبر التسرب المدرسي بمثابة الإرهاب أو التخريب المتعمد للثروات الوطنية لأبناء البلد، لأن التسرب بلا شك قد يفرض مشروعاً جديداً نظراً لصغر المرحلة الحالية، ووجود جهات تستقطب المتسربين في العمل، وفرض ولاءات وقيم جديدة غير صحيحة تنعكس عاجلاً أم آجلا على مجتمعهم وأسرهم الحالية والمستقبلية.

آخر الأخبار
وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى إطار جامع تكفله الإستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشاريع "متناهية الصِغَر والصغيرة" طلبتنا العائدون من لبنان يناشدون التربية لحل مشكلتهم مع موقع الوزارة الإلكتروني عناوين الصحف العالمية 24/11/2024 رئاسة مجلس الوزراء توافق على عدد من توصيات اللجنة الاقتصادية لمشاريع بعدد من ‏القطاعات الوزير صباغ يلتقي بيدرسون مؤسسات التمويل الأصغر في دائرة الضوء ومقترح لإحداث صندوق وطني لتمويلها في مناقشة قانون حماية المستهلك.. "تجارة حلب": عقوبة السجن غير مقبولة في المخالفات الخفيفة في خامس جلسات "لأجل دمشق نتحاور".. محافظ دمشق: لولا قصور مخطط "ايكوشار" لما ظهرت ١٩ منطقة مخالفات الرئيس الأسد يتقبل أوراق اعتماد سفير جنوب إفريقيا لدى سورية السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص