ببساطة هم الشهداء، سواء من قضى منهم نحبه، أو من جرح أو أصيب ليحيا شهيداً حياً لا ينتقص ذلك من دوره ومكانته في المجتمع وأمام أقاربه وأبناء وطنه وأمام مؤسسات الدولة المختلفة.
لقد فتحت سورية سفراً جديداً في كتاب الشهادة والاستشهاد، وقدمت نموذجاً بحثياً غير مسبوق في ميادين التضحية والفداء، فالشهداء كانوا وما زالوا على مدى التاريخ موضع العزة والافتخار والشهامة لكل الأمم، وتزداد قيمتهم وترتفع مكانتهم في الأمم والمجتمعات التي يقع عليها ظلم الاحتلال والاستعمار فيبرز دور الأبطال والجنود الذين ينذرون أنفسهم وحياتهم للدفاع عن أعراضهم وممتلكاتهم وحياض وطنهم وسيادته والحفاظ على حدوده البرية والبحرية والجوية، فكيف يكون الأمر حين يضاف الإرهاب كعامل توحش فوق الاحتلال والاستعمار البغيضين؟
هنا تتبدى عظمة الصورة السورية التي يقدمها شهداؤها، والإصرار على الاستمرار و متابعة الحرب والمواجهة والنضال في ظل أسوأ الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعاشية الصعبة التي تجعل العوامل السياسية تتراجع وتحتل أسفل قائمة اهتمامات البشر.
على امتداد قرابة السنوات العشر ارتقى مئات وآلاف الشهداء في مواجهات وأماكن وظروف مختلفة، وعلى امتداد تلك السنوات لم يختلف الموقف الشخصي ولا الجمعي من مسألة الشهادة، فقد ظلت قيمة القيم ونبراس العزة والفخار ومطلب المؤمنين بوطنهم، لا يهنون ولا يتراجعون ولا يرون عنها بديلاً للخلاص من المستعمر المحتل والإرهاب في آن واحد.
ولعل المشهد المؤلم الكبير ورد الفعل المؤثر والعظيم الذي رافق استشهاد كوكبة الأقمار الأبرار في آخر يوم من العام الساقط يعطي الدلالة على طبيعة الوجدان السوري وحقيقة الشعور الشعبي والرد الصارخ على أحاديث الوقوع تحت تأثير الإشاعات والحرب النفسية المبنية على تردي الأوضاع المعاشية للمواطن السوري واشتداد حالة الحصار وفرض عقوبات اقتصادية تطول الحياة اليومية للأفراد وتؤثر في أمنهم وغذائهم وصحتهم وتعليمهم وعملهم، وهم يتألمون ويحتجون ويطالبون الحكومة بالمزيد من العمل والدعم ، وتراهم يستعدون للانتفاض عليها، لكنهم عند أول شهيد يظهرون حقيقتهم الكامنة، والأصيلة وهي الاستعداد لاحتمال كل ضغوط الخارج الاستعماري والتصميم على مواجهة الإرهاب واجتثاث جذوره مهما امتد واستطال.
ويأتي شهداؤنا اليوم ليسجلوا سفراً في كتاب الشرف والفخار في وقت هدأت فيه المواجهات واستقر الأمن في معظم البلاد وبسطت الدولة سلطانها على المناطق التي امتدت إليها يد الإرهاب في فترات سابقة، وتراجعت أعداد الشهداء وفق هذه الظروف ، فتأتي يد الغدر عبر مجرمي داعش المتوارين في القواعد العسكرية الأميركية في التنف وسواها لتقوم بجريمتها النكراء وتغتال شباباً كانوا يحلمون بقضاء أوقات سعيدة مع أهلهم وذويهم وأصدقائهم في ليلة رأس السنة والاحتفال بعام جديد، فارتقوا شهداء مكرمين أعزوا الوطن وأبكوا قلوب المحبين، فمن مر على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لعرف أنهم رقيقون يحبون الحياة ويفرحون ويسعدون ويمرحون بين أمهاتهم وآبائهم وإخوتهم ورفاقهم، لكنهم يعرفون أيضاً أنهم على استعداد للتضحية بأنفسهم في سبيل وطنهم، وهم وإن كانوا لا يتمنون الموت فلأنهم لا يريدون لأمهاتهم الحزن والبكاء لفقدهم.
هؤلاء هم شهداؤنا رمز الطهر ونبع المحبة ورياح العطاء وعبق الأزهار ومبعث الثبات والعزة والافتخار ومنبت الرجولة وعنوان العطاء.
وهم إن قضوا شهداء فإنهم باقون في وجدان الأجيال القادمة يمثلون النموذج المقدس للقياس والحذو بمساره الكريم.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد