معربدو القرن العشرين.. على الفضائيات

 

الثورة أون لاين – أحمد حبيب خضور:

دخلوا غرفهم السرِّية وأوصدوا دونهم الأبواب، ثم انكبُّوا على علومهم ومخابرهم الحديثة، وبدؤوا بتصنيع سلاحهم المتطور والخفي. لم يكونوا بحاجة لأن يرسلوا إلينا جيوشهم ويتكلَّفوا عناء السفر، فقد قرَّروا أن يخرجوا من عقر دارنا. يلاحقوننا إلى غرفة النوم، أو غرفة المعيشة، أو أي مكانٍ نتواجد فيه، وتصرُّ شاشات التلفزة، أو الهواتف المحمولة المبرمجة، على أن ترافقنا إليه.
يعربدون في عقولنا وعيوننا، يحاولون فصلنا عن ذاكرتنا القومية وعن عاداتنا وتقاليدنا العربية. دأبهم أن يظهروا للعالم، بأن بلادنا خرائبٌ ودوارسٌ وأطلال، ناسين أن العالم قد تحضّر بنا وبثقافاتنا المتعددة والمتجذّرة في عمق التاريخ، وبأن “أندريه بارو” مدير متحف “اللوفر” سابقاً، كان قد قال: “على كل إنسان متمدِّن في العالم أن يقول إن لي وطنين. وطني الذي أعيش فيه، وسورية.
إنهم القائمون على صناعة وإدارة، قنوات ووسائل الإفكِ والنفاق الإعلامي. فضائياتٌ ومنصاتٌ وصفحات يتسابقون عبرها، لبثِّ سمومهم التي أكثر ما استشرتْ، عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد أغاظهم أن نبقى أقوياء، وأن نتمسك بوطننا وأرضنا وهويتنا العربية. أغاظهم صمودنا رغم كل ما فعلته الحرب بنا، فكانوا كالحرباء يغيِّرون جلودهم حسبما يفضي إليه الحال الاجتماعي والعسكري والسياسي، وأخيراً الاقتصادي.
بعد فشلهم في كل تلك الجوانب، لجؤوا إلى علمٍ حديث تأسَّس واستمدَّ معالمه الراسخة في مطلع القرن العشرين، على يدِّ الكاتب والمؤرخ الفرنسي “غوستاف لوبون”. علم النفس الاجتماعي الذي يعدُّ علم النفس الجماعي، فرعٌ أخير من فروعه، ومن الصعب في عصرنا هذا، إهمال مثل هذا العلم الخطير، حيث نجد وكما أشار مقدم كتاب “سيكولوجيا الجماهير” لـ “لوبون” أن كل شيء يعبّر عن نفسه بواسطة الكمية والعدد “كالاقتصاد والدعاية والإعلان والإيديولوجيات الحزبية والسياسية والنقابية والدينية، ثم الاضطرابات الاجتماعية التي تقوم بها الجماهير، والاضطرابات العمالية والثورات”.
كلُّ هذه الظواهر تندرج تحت إطار علم النفس الجماعي، أو علم نفسية الجماهير، وهو العلم الذي كان فيما مضى، يطرح سؤالاً: كيف تمكن قادة مثل نابليون وغاندي وهتلر وموسوليني، من أن يجيشوا الجماهير إلى هذا الحد؟.. أما اليوم ومع التقدم التكنولوجي للعصر، وبروز الإعلام كقوة فاعلة في التأثير على الرأي العام العالمي، والولوج إلى عمق السلوك الفردي واستجراره للانخراط في صفوف الجماعة والجماهير، فلم يعد الباحثون يهدفون من خلال هذه الأبحاث، إلى اكتشاف طريقة لمعرفة كيفية السيطرة على الجماهير والتحكم بها كما كان يفعل “لوبون”، وإنما باتوا يسعون إلى دراسة الشروط التي تجعل ظاهرة انبثاق الجماهير ممكنة، في هذا البلد أو ذاك.. في هذا الظرف الزمني المحدد أو ذاك.
لسنواتٍ طويلة، كانت قناة الجزيرة وغيرها من قنوات التضليل الإعلامي وصناعة الأخبار، ينتهجون نهج المقاومة والتمسك بقضايا العرب القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية والجولان السوري المحتل، ودعم حركات التحرر العربية والعالمية كحماس وحزب الله وغيرها من قضايا تجذب قلب المشاهد وجدانياً، كما تجذب عقله رؤية إشارة قناة الجزيرة طيلة النهار وهي تغطس في الماء وتعود، فتبرز وتعلوا فوقه نقية صافية الألوان، وكأن ذلك كان، بداية لدرسٍ تنويم مغناطيسي أو لتكديسِ “حشيشة” في كوب الشاي خفية، ومن ثم حقن العقول بالمادة الإعلامية المراد لها أن تتكدس وتترسخ في الوعي أو اللاوعي، فاستلمت دوراً تاريخياً لقائدٍ باطني، لا يقل في تأثيره عن غاندي وغيفارا ومانديلا، بل إنها وصلت أكثر من ذلك، إلى قيادة العقل والتحكم به من وراء شاشة التلفاز الصغيرة، وهو نتاج عبقرية العصر الحديث، الذي ساعد القوى المستعمرة على أن تهيِّئ لفوضى خلاقة، تخفي تسللها إلى قلبِ بلدٍ ما.
بعد أن استقطبت هذه القنوات غالبية الجماهير وتملكت ثقتها، بدأت بتنفيذ خططها مع اندلاع نيرانِ ما يُسمّى، “الربيع العربي”.. بدأت بالتحريض على التظاهر والفوضى، ومن ثم على محاربة جيوش البلدان، وتغيير أعلامها، وتهديم رموزها الحضارية وسرقة آثارها ومعاملها ونفطها، وبث روح الطائفية البغيضة ضمن البلد الواحد.
كان ذلك عبر الخطابات الرنانة لشيوخ الفتنة، وعبر تكرار عرض الصور المفبركة التي تستهدف الوعي وتبحث لها عن مكان تستقر فيه في العقل الباطن، وتنتظر تحولها إلى حقيقة، وها نحن اليوم وقد أفشلنا كل تلك الآلات عبر سنين الحرب الفائتة، نجد أنفسنا في حالة استعداد لمرحلة إعادة الإعمار الذي علينا أن نبدأه، بإعادة اللحمة الوطنية بين الشعب، وعودة المهجرين واللاجئين من المخيمات والدول المجاورة والبعيدة خلف البحار. لكن قنوات “التحشيش” الإعلامي عادت لتحاربنا من جديد، وبأسلوب يشبه إلى حدٍّ بعيد، ما انتهجته جماعة تعرف بـ “الحشاشين” وكانت قد ظهرت في فترة حكم السلاجقة الأتراك والعباسيين والأيوبيين لبلاد الشام والفاطميين في مصر. هذه الجماعة، كانت تعتمد وكما يقال، على “الحشيشة” لاستقطاب عقول تابعيها، ممن أرادتهم أن يشكلوا جماعات وعصابات شرسة ومدربة انتهجت التسلل عبر أنظمة الحكم، واغتيال كل من يعاديها أو يشكِّل خطراً عليها، ويقال إنها استطاعت أن تصل إلى فراش “صلاح الدين الأيوبي” رغم تشديد الحراسة عليه، تاركةً له رسالة مثبَّتة بخنجر مسموم، وفيها تهديدٌ بقتله إن تجرأ على مهاجمتها.
اليوم، نرى تلك القنوات تمارس عربدة إعلامية قذرة، تحاول اغتيال حقيقة عودة الحياة إلى سورية، وتصدّر للعالم صوراً تبين، بأن سورية بلدٌ تعمُّه الفوضى والحروب والفساد، بل إنه بلد “الطوابير” ولا يوجد غاز أو نفط أو خبز أو ماء، وإن أهله يعيشون على المساعدات الإنسانية الأممية.
حتماً، هذه المشاهد وغيرها موجهة إلى عالمٍ أريد له ألا يرى سورية إلا دماراً وخراباً، وإلى من غادرها من أبنائها، ويتمُّ تحريضه على عدم العودة إليها.. في الوقت ذاته، وهناك على طريق مطار دمشق الدولي، نجد السوريين قد انتهزوا الفرصة التي تهبهم إياها أيام العطل، ليتناثروا على طول طريق المطار، يتنعمون بتلك المناظر الخلابة على أطراف الغوطة، وبصحبتهم أهلهم وأولادهم.. ربما ابتعدوا عن بعضهم في مجالسهم حيطة من الوباء، لكنهم استمروا في التآلف مع بعضهم، وفي اللقاءات التي تجمعهم كسابق عهدهم… استمروا كذلك لكن، لم يكن ليصوِّرهم أحد.

 

5-1-2021
رقم العدد 1027

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” مرسوم بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعد شاغر في دائرة دمشق الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي