الثورة أون لاين – كفى الزعبي:
ثمَّة نزوع فطري لدى الناس لتصديق السطح، وبمعنى أدق: لتصديق “الحقيقة” التي تطفو على السطح، خصوصاً وأن هذه “الحقيقة” باتت تُقدَّم في زمننا جاهزة، وناضجة ومرسومة المعالم والملامح بطريقة تبدو فيها شبيهة بالحقيقة، وكلَّما زاد عدد المتبنِّين لهذه الـ “الحقيقة”، زادت مصداقيتها، فما يسود من أفكارٍ لدى الجموع يصبح معياراً للحقيقة، أما الذين تنتابهم الريبة والشك، ولا يكتفون بالسطح، فلطالما كانوا قلَّة على مدارِ التاريخ البشري، ولطالما تم نبذهم وإقصاءهم..
فيما يخص “وباء كورونا” هناك الكثير من المعطيات التي تطفو على السطح، وتكررها الغالبية العظمى من وسائل الإعلام العالمية، وتبدو في ظاهرها مقنعة: في الطبيعة كثير من الفيروسات، وهي تتطور، وهناك أيضاً طفرات، وقد ينتج عنها فيروسات أشد فتكاً…الخ .
يبدو المشهد طبيعياً وفي سياقه، فلماذا سوء النية والبحث عن أيدٍ خفية، وعن مؤامرة؟..
لكن، هناك أيضاً الكثير من المعطيات المهمة للغاية، لمن يريد التعمق في المشهد. لمن يريد الخروج من أسر النزوع الفطري لتصديق السطح. بل أسر ما هو أكثر من ذلك: أنا أتفهم جيداً أن الافتراض الدائم أن كل ما يجري في هذا العالم، لا يحدث ببراءة ولا يجري من دون تخطيط، يعقِّد الحياة ويتطلب منا مجهوداً فكرياً وتقصيّاً دائماً وبحثاً.
أجل، هناك ميول فطرية ورغبة في أن نعتقد أن هذا العالم يمضي على سجيته، لكن هذه الرغبة ذاتها لا تجعل الحياة أسهل لدينا فقط، بل بالدرجة الأولى والأخيرة، تجعلها أسهل لدي من يصنعون هذا العالم ويتحكمون به، كي يمضي حسبما يريدون. لهذا يكرسون الإعلام، وكل الوسائل الأخرى المتاحة لنصدقهم، ونصدقهم، لنصبح بالمحصلة قابلين جداً للانقياد.. نصبح دمى دون أن نعي أننا دمى.
كاتبة وأديبة أردنية
5-1-2021
رقم العدد 1027