الثورة أون لاين – ليندا معطي:
بين عبق وحميمية الماضي ومشكلات عصر السرعة والاستهلاك الباهظ في كل شيء بوقتنا الحاضر، ثمة سؤال يفرض نفسه على معظمنا لماذا فقدت الحياة التي كانت تظلل الجميع بالمحبة، وتنشر الشعور بالأمان والاستقرار بين الناس فلم تعد نكهة الماضي كما كانت من حيث البساطة في الحياة والمسكن وعلاقات القربى والشعور بتلك الألفة، وبين حاضرنا الذي أتخم بعادات كادت أن تنسينا العديد من الأشياء الجميلة.
نتذكر على سبيل المثال لا الحصر كيف كان الحي أيام زمان يعج في المناسبات جيئة وذهاباً كل في مقصده باتجاه لمّ شمل القربى صلة الرحم، وبين اليوم الذي قد تقتصر فيه المعايدة على رسالة الكترونية أو اتصال هاتفي.
بين هذا وذاك تلونت كلمات الناس في حديثهم لجريدة الثورة حيث يبقى لكل زمن ذكرياته ولكل حاضر ألقه.
تقول ريما جروج ماجستير تربية: في الماضي كانت طبيعة العلاقات وماهية التواصل عميقة أكثر من وقتنا اليوم فلم نكن نجد متسعاً من الوقت لنزور بعضنا البعض ولكن كنا حريصين على ممارسة هذا الطقس مهما كانت المشاغل متباينة بين أسرة وأخرى، بينما في الوقت الحاضر أصبحت مشاغل العائلة أوسع، وأصبح التواصل يقتصر على العائلة، إضافة إلى وجود أجهزة التكنولوجيا الحديثة إذ بات الناس يتواصلون مع بعضهم البعض عن طريق رسائل الموبايل، أو عن طريق الانترنت بالرسائل المختلفة ما أدى إلى تخفيف التواصل المباشر و المتبادل، وكذلك الأمر بالنسبة للملاهي ففي السابق كان الذهاب إليها محصوراً بأماكن محددة وفي أيام الأعياد فقط، على عكس ما نراه الآن، فقد ازداد عدد الأماكن المخصصة لذلك، ما جعل الناس برأيها يصطحبون أولادهم في أي وقت إليها وبالتالي لم تعد شيئاً مميزاً بالنسبة لهم.
أما لينا عباس موظفة، فترى أن الحياة بتعقيداتها فقدت نكهتها وبهجتها فلم تعد كما كانت في السابق بالنسبة لمظاهر المحبة والتآلف حيث تغيرت الأحوال كثيراً وأصبح بعض الناس يهتمون بالمظاهر، وخفت الزيارات بين الأهل والأقارب، وانقطعت صلة الرحم بين العديد من الأسر، فغدت الأيام تطغى عليها الصبغة الروتينية بسبب ابتعاد الناس عن بعضهم البعض.
فيما أحمد موسى كان له الرأي نفسه حيث وجد أن فرحة التواصل اليومية بين الأهل كانت في السابق تبدو ملامحها على وجه الصغير قبل الكبير ، أما حالياً فربما يشعر الكثير بعدم البهجة والسرور بسبب فقدان مقومات الفرح لأسباب معروفة ومختلفة، فأخذ موضوع التواصل ينحسر بانصراف الكثيرين إلى منازلهم نتيجة ضغوط الحياة، بعدما كانت العوائل والأسر في الماضي تعيش حالة من الترابط والمحبة والتلاحم أكثر من الوقت الحاضر لاعتبارات كثيرة.
بدوره يرى الدكتور طاهر سلوم أستاذ الدراسات الاجتماعية في جامعة دمشق أن سبب التغير الذي حدث في طقوس الحياة وعاداتها يعود إلى أن التطور التكنولوجي والتقني والتأثر بثقافة الآخر عبر وسائل الاتصال والتكنولوجيا كان له الدور الأبرز في تغير العادات والتقاليد إضافة إلى تغير المهن والعمل الوظيفي الذي أصبح يحكم الناس بتحركاتهم، كذلك العامل الثقافي للأهل ربما خفف من شكليات التواصل وعدم التقيد الحرفي بما كانت به الحياة من طقوس ولكن بالرغم من ذلك ما زالت أشكال التواصل بحد ذاتها حتى لو تغيرت تبقى قيمتها موجودة ولكن بصور مختلفة ولم تبق على التقليد القديم فلم تعد الزيارات مثلاً كما كانت في السابق حيث كانت زيارات الأقارب يحسب لها ألف حساب، أما الآن فأصبح هناك خلل ربما بسبب التأثر بالثقافات الأخرى فيمكن أن يقضي البعض أوقات الفراغ في المنتزهات وأماكن السهر التي لم تكن موجودة في السابق في حين كانت هذه اللقاءات سابقاً تتم في المنازل ورأى الدكتور سلوم أن الأعباء الاقتصادية يمكن أن يكون لها دور في ذلك.
باختصار فقدت الحياة الشكل الكلاسيكي وأدخلت أمور أخرى ناتجة عن دمج الثقافات الاقتصادية والتكنولوجيا.