نحو دراما تعيد الدفء للعلاقات العائلية

الثورة أون لاين – فؤاد مسعد:

يرزح الإنتاج الدرامي اليوم تحت وطأة ما تريده المحطات وما يمكن أن يتم تسويقه، ففرزت الأعمال بين مستنسخة عن مسلسلات مُدبلجة أو أنها تدور في فلك البيئة الشامية أو اتخذت الكوميديا الهشة محوراً أساسياً لها، أو لجأت إلى الموضة الأكثر جاذبية عبر موضوعات تعج بخلطة من الأكشن والعنف والإثارة والمخدرات والخيانة وتجارة الأعضاء والفساد.. والحجة دائماً السعي إلى إظهار الوجه المخفي المجتمع بجرأة (وإن كانت مُفبركة)، ولكن أمام هول ما يُعرض على الشاشات العربية أين هي المسلسلات التي يتحلق حولها أفراد العائلة كلها من صغيرها إلى كبيرها؟ هل باتت في طي النسيان أم أنها غير مطلوبة للمحطات؟.. فللأسف ابتعد صانعو الدراما (إلا فيما ندر) عن إنجاز أعمال درامية موجهة للعائلة تحوي شخصيات تشبهنا وتتناول همومنا وحكايات كأنها حكاياتنا، ودفء كثيراً ما سرقته برودة أعمال التحفت برداء موضوعات غريبة عنا إلى حد بتنا فيه بشوق لتلك الحميمية التي تميزت فيها أعمال سبق وعانقت ذاكرتنا ولا تزال متسمة بالبساطة والسلاسة والعمق في الوقت ذاته، مبتعدة عن الابتذال ملامسة لنبضنا الحقيقي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مسلسل شكّل فيصلاً في تاريخ الدراما السورية وهو (الفصول الأربعة) إخراج الراحل حاتم علي (جزء أول 1999، جزء ثانٍ 2002) الذي استطاع تحقيق حالة من الإجماع والجماهيرية المستمرة حتى اليوم، وهناك مسلسل (الإخوة) إخراج الراحل رياض ديار بكرلي (جزء أول 1994، جزء ثانٍ 1997) ومسلسل (مذكرات عائلية) إخراج فردوس أتاسي (إنتاج 1998)، وغيرها العديد من الأعمال التي بقيت راسخة في الذاكرة الجمعية، لكن ما يحدث اليوم أن هذه الأعمال تراجعت أمام سطوة الموضة وما يفرضه السوق وباتت تتلاشى أمام تنامي سطوة أعمال تلثمت بغطاء ما تفرضه المحطات.

ـ انزياح أعمى:
هذا الانزياح الأعمى في الإنتاج يعتبر في أحد أوجهه انسياقاً عن قصد أو غير قصد وراء أفكار تساهم في الإطاحة بما يحمله المجتمع من مفاهيم ومعايير وبالتالي تسطيحه وجرفه عن الواقع الحقيقي نحو ترسيخ مفاهيم جديدة بعيداً عن اللحمة العائلية وجعل الأسرة هي المرتكز، المبتدأ والمنتهى، وعلى الرغم من أن الساحة تتسع لإنتاجات متنوعة ولكن غياب الدراما العائلية المؤثرة يطرح الكثير من الأسئلة الحارة والمؤلمة، منها: إلى أي مدى نحن اليوم بحاجة لأن نظهر على الشاشة الدفء في العلاقات العائلية ونبرز أهمية الأسرة بعد حرب امتدت لعشر سنوات؟ لماذا لا نعمل على إعادة الاعتبار لدراما العائلة في وقت بات يشاهد المسلسلات أفراد العائلة كلهم من صغيرهم إلى كبيرهم؟ هل للأعمال العائلية أن تسبح عكس التيار وأن تنافس شراسة حضور ما يقدم للجمهور من أكشن وعصابات وبيئة شامية وبيئة مخملية وأعمال مستنسخة عن مسلسلات مُدبلجة؟ ما الأعمال التي يرى المبدعون أن لها الأولوية في المرحلة القادمة وأين موقع الأسرة منها؟ وإلى أي مدى الدراما اليوم بحاجة لعودة العائلة إلى الشاشة عبر مسلسلات تحاكي الهموم اليومية ومشكلات الشباب وما تتعرض له الأسرة من ضغوط الحياة فتحمل رسالة التوعية والتنوير إلى جانب التسلية وملامسة حياة الناس بإطار حقيقي وواقعي وقريب من روح وعقل وقلب المشاهد؟.

ـ ظروف الإنتاج:
حول سبب ندرة الأعمال التي تتناول العائلة في محورها الرئيسي رغم أن هناك العديد من الأعمال التي سبق وحققت النجاح، يؤكد الكاتب سمير هزيم أن الأمر يعود لظروف الإنتاج التي اختلفت عن الفترة السابقة عندما كانت هذه الأعمال لا تغيب عن الشاشة ويشير إلى أن السبب الرئيسي أن سوق المسلسلات قد انحصر في شهر رمضان بينما كنا نرى إنتاجاً للمسلسلات على مدار العام ونشاهد أعمالاً جديدة في رمضان وخارجه في حين أن الأمر اختلف الآن، فالأشهر الأحد عشر خارج رمضان تعرض فيها المسلسلات بصيغة (إعادة) عما تم عرضه في رمضان، باستثناء هذا العام بسبب ظروف كورونا وعدم استكمال الإنتاج قبل الشهر الفضيل، يتابع حديثه قائلاً: نتمنى أن تعود عجلة الإنتاج للدوران على مدار العام كله، وعندها سنشاهد أعمالاً تتناول محاور ومجالات مختلفة، ومما لا شك فيه أننا بحاجة إلى أعمال تعيد للأسرة اهتمامها الجمعي بمشاهدة مسلسل يحاكي يومياتها وأحلامها وأوجاعها، وبحاجة أيضاً إلى أعمال تعيد للدراما أهدافها النبيلة في ترويج العلاقات الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية.

ـ النموذج الأميركي والابتزاز:
وسط ما يُقدم اليوم على الشاشات من أعمال ترضخ لما يطلبه السوق هل يبقى مكان عند الجمهور لمسلسل يسبح عكس التيار ويقدم العائلة بكل ما فيها من دفء وعلاقات وهموم؟

06.jpg

يجيب المخرج عبد الغني بلاط قائلاً: فيما سبق كانت هناك أعمال درامية سورية فيها هذا النفس الاجتماعي والإنساني ولكنها فُقِدت للأسف وذهبنا باتجاه النموذج الأميركي في الشر والتشويق وكأننا أمام نوع من بيع سلعة للناس والهدف أن تمسك بالمشاهد بشكل أكبر، ولكن أرى أن هذا الأمر فيه نوع من الابتزاز فهي أعمال لا تقدم صورة صحيحة عن المجتمع، والسؤال لماذا لا ندغدغ مشاعر الناس ضمن بيئة صحية فيها ما هو إنساني ويحاكي الحياة بدفء ومحبة فنحكي عن أحلامنا وآلامنا؟.

 

04.jpg

ـ أعمال نفتقدها:
تشير الفنانة سلاف فواخرجي إلى أننا بحاجة لأن نظهر عبر الأعمال الدرامية على الشاشة دفء العلاقات الأسرية، تقول: نحتاج للكثير من هذه الأعمال التي يمكنها إيصال الرسالة أكثر من أي عمل آخر، فقضيتنا نفقدها رويداً رويداً وجيلاً بعد آخر، فاليوم هناك أجيال تربت ونشأت في الحرب.
في حين يؤكد الفنان عارف الطويل أننا في هذا الوقت نحن في أمس الحاجة إلى الأعمال العائلية الدافئة، مذكراً أنه في مرحلة من المراحل قُدمت هذه الأعمال بشكل جيد ولاقت الاستحسان والرواج الكبير.

05.jpg
ـ الوطن أولاً وأخيراً:
يؤكد الفنان توفيق اسكندر أن سنوات الحرب تركت آثارها على مجتمعنا مشيراً إلى الظواهر التي نجمت عنها من تشرد وتهجير قسري ويتم بسبب فقدان معيل العائلة، وبالتالي ذلك كله أدى إلى آثار سلبية أرخت بظلالها على كافة جوانب الحياة ومن بينها الأعمال الدرامية، يقول: لا بد من التأكيد على فكرة الدفء الإنساني وأهمية الارتباط العائلي ضمن الأعمال، لنعود من جديد نحو إنجاز هذه النوعية من المسلسلات فالجيل الجديد لا بد أن يفهم ويعرف ويرى أموراً أخرى غير أنواع الأسلحة وما تتركه من دمار وقتل، وأنا هنا أناشد الجميع من أجل العمل على هذا الجانب لأننا من خلال الدراما يمكن أن نساهم في بناء الإنسان وترسيخ قيم وطنية بعيداً عن أي تطرف أو أي شكل من أشكال التعصب، فرسالتنا الوطن أولاً وأخيراً.

ـ نظرة إيجابية ومُشرقة:
تركز الفنانة علا باشا على أهمية إظهار أهمية العائلة ومكانتها في المجتمع عبر ما يُقدم من مسلسلات، تقول: ما يشاهده الأطفال اليوم على الشاشات يؤدي إلى ابتعادهم عن العائلة أكثر مما قد يزيد من الروابط داخل الأسرة، فقد بات هناك حالة تشتت بالعائلة لذلك نحن أحوج ما نكون إلى أعمال تحكي عن العائلة التي تعتبر أهم ما في المجتمع، تحكي قصصاً عن الحب والنجاح وعن شخص ثابر وتحدى الصعاب ووصل إلى هدفه، إننا بحاجة إلى نظرة مُشرقة وإيجابية فيها أمل وتفاؤل ولأن نعطي الناس دفعاً للأمام نحو الأمل بعيداً عن الفشل والنهايات التعيسة.

آخر الأخبار
إشادات قطرية وأممية بخطوات سوريا نحو الانتقال السياسي   اللجنة العليا للانتخابات تبدأ مهامها وتقدّر مدة عملها بثلاثة أشهر  "في مجبينة... الأرض تعود خضراء بجهود نساء حلب" حلب تتسلم إدارة الوحدات المحلية في الباب وجرابلس "رويترز": القوات الأميركية انسحبت من قاعدتين أخريين في شمال شرق سوريا هموم بحاجة لحلول في اجتماع الأسرة الزراعية بدمشق وزير الخارجية يبحث مع نظيره الألماني هاتفياً تعزيز العلاقات الثنائية بحث لقياس قوة العمل والبطالة في درعا السفارة الأميركية: دعم واشنطن لعودة السوريين من مخيم الهول خطوة نحو إنهاء أزمة النزوح "القاضي"..مستشار أول لشؤون السياسات الاقتصادية واقع الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في شمال سوريا مفوضية اللاجئين تتوقع عودة 1,5 مليون سوري بحلول نهاية 2025 إنتاج حليب النوق تجربة فريدة.. هل تنجح في سوريا؟ خطة طوارىء من حليب النوق إلى جبن الموزاريلا... دراسات تطبيقية تربط العلم بالإنتاج ضمن إعادة هيكلة المؤسسات..  رؤساء دوائر "بصحة " حمص ومزاجية في ترشيح الأسماء الفائضة.. إعادة توزيعهم... الدرويش لـ"الثورة" : عدم توفر البيانات يعيق التخطيط للتحول الطاقي  بمشاركة 182 طالباً وطالبة انطلاق الأولمبياد الجامعي الأول في البيولوجيا   لبنان: الموافقة على خطة عودة النازحين السوريين مدير تربية القنيطرة : تحقيق العدالة والشفافية في المراكز الامتحانية