الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
استطاعت مجموعة من المسلسلات السورية الخروج عن السائد الذكوري نحو دراما تنتصر للمرأة ، وغالباً ما كان يأخذ المحور الأساسي للعمل الدرامي الطابع الذكوري ، فبطله الرئيسي (النجم الرجل) الذي تدور في فلكه بطلات العمل ، ولكن عمد بعض المبدعين إلى اختراق المفهوم السائد والسعي إلى تغييره لتبدو الأعمال أكثر التصاقاً بالمجتمع وقضاياه وخاصة قضايا المرأة ، فتناولت عوالم معقدة بشكل أكبر وأعمق ، وكان المخرج الراحل علاء الدين كوكش من أوائل الذين زرعوا هذه المفاهيم وسلطوا عليها الضوء من خلال أعمال لامست القلب والوجدان ، إيماناً منه بدور المرأة وأهمية تقديمها بالصورة اللائقة ، فأنجز أعمالاً بالأبيض والأسود لا تنسى كان للمرأة فيها دور متقدم وبارز ، وإن عدنا في الذاكرة إلى عام 1975 فالصرخة التي اطلقتها الفنانة منى واصف عبر شخصية منيرة في سباعية (أسعد الوراق) وعاش الجمهور إحساسها بحرارته حملت الكثير من الصدق ، وكانت تمثل صرخة كل أنثى تسعى إلى الانعتاق من القيود الخانقة ، هي صرخة دفاع عن المرأة واحتجاج على ظلم تعيشه ضمن المجتمع .
المتابع لأغلب ما قدمه المخرج الراحل علاء الدين كوكش يلحظ أن هناك خطاً فكرياً لا يغيب عنها ، إلى جانب ما تحمله من رسائل ورؤى تعكس في أحد أوجهها وجهة نظر وموقف من الحياة ، وكانت تمتلك القدرة على شد الجمهور بقوة ، هذه السمات يمكن تلمسها في نِتاج الراحل باكراً ومنذ أعماله الأولى ، فلم تكن سباعية (أسعد الوراق) هي العمل الوحيد الذي حمل في أحد أوجهه حالة من التوعية والتنوير فيما يتعلق بتناول موضوع المرأة في الدراما ، وإنما قدم فيما بعد أعمالاً أخرى كرست هذا المفهوم وحاكت المشكلات والهموم التي تتعرض لها موضحاً المكانة التي وصلت إليها ومستوى الوعي الذي كانت تتمتع به وانعكاس ذلك على المجتمع ، مرسخاً من خلالها منهجاً فكرياً ثقافياً وإبداعياً في آلية التعاطي مع قضايا المرأة على أساس أنها قضايا تمس المجتمع ككل ، مقدماً من خلالها أفكاراً إنسانية تدخل إلى عمق وروح الإنسان فأعطى للمرأة مساحة في العديد من الأعمال ، لا بل هناك مسلسلات قام بإخراجها كانت هي المحور الرئيسي فيها ، منها على سبيل المثال : مسلسل (أمانة في أعناقكم) إنتاج 1998 والذي يتحدث عن تأسيس أول نادي نسائي في دمشق أوائل القرن الماضي ويتناول النظرة القاصرة نحو المرأة من بعض أفراد المجتمع داعياً إلى تحريرها من الخرافات والجهل ساعياً إلى التوعية باتجاه أهمية تعليمها ، وأن تأخذ حقوقها كاملة بما فيها حق العمل والانتخاب ومحو الأمية طارحاً نماذج لنساء كان لهن أثرهن في المجتمع ، وهناك أيضاً مسلسل (البيوت أسرار) إنتاج 2002 ويحكي قصة كفاح ومعاناة أرملة لديها خمسة أبناء تقدم التضحيات بصمت لتربيتهم ، ويطرح العمل مجموعة من القضايا مثل الظلم الذي يقع على المرأة في حالات متعددة مثل عدم الانجاب وتعدد الزوجات .
وقد فرّق الراحل بين أعمال تتعرض لعالم المرأة وتسير وفق الخط الصحيح وبين تلك التي تبقى تحت سلطة (المانشيت الإعلاني) للتسويق ليس أكثر ، مشدداً على فكرة أن مثل هذه الأعمال يكتشفها الناس بسرعة من خلال حالة غربلة تسقط فيها أعمال (البزنس) ، كما سبق له أن تحدث عن موضوع المرأة في الدراما عبر لقاء نشر في صحيفة الثورة يعود إلى عام 2014 ، ومما قاله في اللقاء : (إننا مقصرون في هذا الاتجاه ، فما قدم من أعمال حول المرأة لايزال قليلاً ، وبرأي أن المرأة لديها مشكلات اجتماعية واقتصادية وبيئية .. وقضاياها تستحق أن تُطرح في العديد من المسلسلات . وقد أتيح لي تقديم أعمال من بطولة نسائية حققت ردود فعل جيدة ، ولكن لإنجاز مثل هذه المسلسلات تحتاج إلى نص جيد يطرح القضايا الحقيقية للمرأة ، فهي لاتزال مغيبة في مجتمعنا ويقع عليها اضطهاد كبير أكثر من الرجل وهي مظلومة في تقديمها عبر الأعمال الفنية . وبشكل عام يمكنني القول أنني من أنصار طرح مشكلات المرأة في الدراما ، لأن لها تأثيراً كبيراً في مجتمعنا) ، وضمن السياق نفسه تحدث في لقاء آخر عن مدى قدرة العمل الدرامي على تغيير مفاهيم المجتمع ، يقول : كل ما يُنتج يشكل حالة تراكم عند المشاهد ليكوِّن رؤيا وتظهر القناعة ، والمجتمع لا يتغير بمسلسل أو اثنين ولكن يبقى لكل عمل أهميته وموقعه في اللوحة الكاملة ، وما نفعله أننا نقدم وجهة نظر تساهم إلى حد ما بتصحيح رؤيا معينة أو بتركيب هذه الرؤيا