موسيقا الإشارة

 الملحق الثقافي:سموقان أسعد: 

مشهد أول
على الرصيف في سوق العنابة، يقرفص “أبو محمود” أمام دكانه الصغير، وكراسي الخيزران والقش تتوزع حوله، منها المنجزة المصفوفة فوق بعضها البعض، ومنها التي تنتظر الدور للإنجاز.
المشهد هو مشهد صانع الكراسي، الذي يميل برأسه يميناً ويساراً ويحرك شفتيه، يده اليمنى تتحرك للأمام والخلف، واليسرى تشدُّ على القش للأعلى والأمام، وهو يثبِّت الكرسي بين قدميه، وأغنية: “جملو جملو ياجملو..” الخارجة من فمه، تشكِّل خلفية لهذا المشهد، وتتقاطع خطوط الكرسي مع بعضها بشكل متعامد، وتدخل يدي صانع الكراسي من بين قوائم الكرسي المتعامدة والمتوازية، فيشكّل حركة مستمرة ومتناوبة، أما أصابع اليد اليسرى لأبي محمود، فتشكل سطحاً يمسك مساحة المثلث الذي يكوّن خطوط القش بالتدريج.. من القاعدة وحتى الرأس.
تتكرر الحركات المتتابعة والمتعاقبة والمتعاكسة أحياناً، كلما تطلّب الأمر شدّ القش، حتى تنتهي قاعدة الكرسي.
مشهد ثان
أمام مشهد الحرفي، صانع الكراسي، تذكرتُ جواب “ليوناردو دافنشي” لأحد تلاميذه في الرسم، حين سأله متى يصبح فناناً كبيراً.
قال، و”الكلام لدافنشي”: إذا رأيتَ شخصاً يسقط من الطابق السادس، واستطعت أن ترسمه قبل أن يصطدم بالأرض، تكون فناناً ماهراً.
بالطبع ليس هذا القول من “دافنشي” لتلميذه إلا ليحرِّضه على التدريب والرسم اليومي، بغية أن يتقن الرسم الواقعي ويصبح حرفياً ماهراً.
التدريب اليومي والتكرار، عمل تنفيذي يقوم به أي شخص وكالنجار الذي يصنع كرسيِّ القش، أو الطاولة المشابهة مائة بالمائة للنموذج الأصلي، والذي يقوم بهذا الفعل هو حرفي ماهر، ثمّ الحركات التي يقوم بها صانع الكراسي هي العلامات والنوتات الموسيقية للفعل “صناعة الكراسي “.
تركتُ سوق العنابة، وما زالت موسيقا حركات صانع الكراسي، تخترق رأسي، وصلتُ إلى منزلي أو لنقل مرسمي – على مفرق بوقا – ولم أكن أسمع صوت البلدوزر الذي يحفر في الشارع، لقد طغت عليه الموسيقا الهادئة، لأيدي صانع الكراسي ..
مسكتُ فرشاة الرسم، ورحتُ أنظفها مما علق عليها من ألوانٍ بالنفط والزيت، لكن، على سطح لوحة بيضاء جاهزة للرسم وبطريقة فيها الكثير من الفوضى والحركات العصبية لليد والروح، فترسم خطوطاً متعامدة ومتوازية ثمّ لولبية ومنكسرة، وأشكالاً غير معروفة، فيبدو البيت بقرة، والبقرة ضفدعاً.
ابتعدتُ ورحتُ أراقب تلك الإشارات التي كوَّنتها الصدفة.. أهي الإشارات، أم الموسيقا الرتيبة التي دفعتني إلى فعل المغايرة، أم هو التمجيد الدائم “لخصر جملو؟”.
مشهد ثالث
إنه صدى الأشكال الذي يدفع إلى الحب والغضب.. إلى الحلم والمغامرة، فلا تأكلوا بملاعقٍ لا تحبون أشكالها، فربما تكون السبب بفشل علاقاتكم مع من تحبون، فطوبى للخطوط التي شكلت نسيج كرسيِّ القش، وطوبى لـ “خصر جملو الخيزراني”.

التاريخ: الثلاثاء12-1-2021

رقم العدد :1028

 

آخر الأخبار
إعزاز تحيي الذكرى السنوية لاستشهاد القائد عبد القادر الصالح  ولي العهد السعودي في واشنطن.. وترامب يخاطب الرئيس الشرع  أنامل سيدات حلب ترسم قصص النجاح   "تجارة ريف دمشق" تسعى لتعزيز تنافسية قطاع الأدوات الكهربائية آليات تسجيل وشروط قبول محدّثة في امتحانات الشهادة الثانوية العامة  سوريا توقّع مذكرة تفاهم مع "اللجنة الدولية" في لاهاي  إجراء غير مسبوق.. "القرض الحسن" مشروع حكومي لدعم وتمويل زراعة القمح ملتقى سوري أردني لتكنولوجيا المعلومات في دمشق الوزير المصطفى يبحث مع السفير السعودي تطوير التعاون الإعلامي اجتماع سوري أردني لبناني مرتقب في عمّان لبحث الربط الكهربائي القطع الجائر للأشجار.. نزيف بيئي يهدد التوازن الطبيعي سوريا على طريق النمو.. مؤشرات واضحة للتعافي الاقتصادي العلاقات السورية – الصينية.. من حرير القوافل إلى دبلوماسية الإعمار بين الرواية الرسمية والسرديات المضللة.. قراءة في زيارة الوزير الشيباني إلى الصين حملات مستمرة لإزالة البسطات في شوارع حلب وفد روسي تركي سوري في الجنوب.. خطوة نحو استقرار حدودي وسحب الذرائع من تل أبيب مدرسة أبي بكر الرازي بحلب تعود لتصنع المستقبل بلا ترخيص .. ضبط 3 صيدليات مخالفة بالقنيطرة المعارض.. جسر لجذب الاستثمارات الأجنبية ومنصة لترويج المنتج الوطني المضادات الحيوية ومخاطر الاستخدام العشوائي لها