تناقضات ملحوظة تعيشها الأسواق هذه الأيام، فرغم الحديث عن دخول المئات من المنشآت والمعامل والورش الصناعية حيز الإنتاج وعودة الكثير من الأراضي لكنف الدولة وزراعتها واستثمارها، إلا أن تسونامي الارتفاع غير المسبوق للأسعار الذي تشهده الأسواق يلتهم الأخضر واليابس، فمع كل أزمة أوِ شائعة أو مشكلة يفاجأ المواطنون بزيادة تصل لمستويات قياسية في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية وحتى الكمالية حيث بات المواطن يقع بين مطرقة الأسعار وسندان محدودية الدخل.
أولويات المواطن بدأت تتغير في ظل عجز الكثير من الأسر عن توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة الضرورية فالأسعار المجحفة، و انخفاض الدخل وضعف القوة الشرائية وخلل معادلة العرض والطلب أدى لخلق تشوهات في المجتمع ونشوء حالة من الاحتكار والانتهازية والاستغلال لدى بعض التجار و بعض ضعاف النفوس، الذين يحاولون استثمار الأزمات لتحقيق أرباح فاحشة ومكاسب غير مشروعة على حساب المواطنين ومستوى معيشتهم.
منذ بداية الحرب العدوانية على سورية عمدت الكثير من المعامل والمصانع للتلاعب ليس فقط بالأسعار وإنما عمدت أيضاً لتحجيم أو بالأحرى لتقزيم وتخفيض كمية ووزن وحجم العديد من السلع والمنتجات وتصغيرها ومخالفة الجودة والمواصفات وتغيير تاريخ صلاحية الإنتاج والانتهاء، ومنها ما يتعلق بأغذية وتسالي الأطفال وغيرها الكثير من السلع التي تلامس معيشة المواطنين.
رغم كل المحاولات لمنع الغلاء لا تزال أسعار المواد تأخذ منحى تصاعدياً، الأمر الذي يتطلب إجراءات حكومية صارمة لوقف هذه الفوضى وضبط التقلبات المزاجية و فرض عقوبات رادعة وقاسية بحق العابثين والمحتكرين الذين يتلاعبون بالأسعار وتأمين الاحتياجات والسلع الأساسية للمواطن بالتكاليف المناسبة، وزيادة عدد صالات التدخل ومنافذ البيع والعودة للمؤسسات الاستهلاكية التي كانت سائدة منذ زمن وإنشاء أسواق جملة منظمة ما يؤدي إلى تراجع وعقلانية هذه الأسعار وضرب الممارسات اللا أخلاقية التي يمارسها بعض المنتفعين.
ارتفاع الأسعار يعني عدم القدرة على تحقيق حد أدنى من مقومات المعيشة والمتطلبات الاقتصادية والاجتماعية، ويشكل عبئاً ثقيلاً يرهق كاهل الأسر محدودة الدخل، وإنهاك لجيوب الشرائح الاجتماعية واتساع الطبقة الفقيرة وكثرة المتضررين، وانخفاض حركة البيع والشراء، ما يؤدي إلى الركود الاقتصادي و هو أمر خطير لأنه يمهد الطريق لظهور الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالبطالة والفقر وتزايد عمليات التسول والسرقة والإجرام والعنف والقتل لسداد متطلبات الحياة اليومية.
أروقة محلية – بسام زيود