الثورة أون لاين- فاتن حسن عادله:
ما قبل 6 كانون الشهر الجاري، ليس كما بعده في أميركا.. يوم اهتزت فيه صورة أميركا بشكل عام وأحدثت “انفجاراً” سياسياً وشعبياً لتكشف مزيداً من الصراع الخفي على كرسي الرئاسة والسلطة بفعل واقع العنف الذي أحدثه الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأنصاره بالاعتداء على الكونغرس في ذلك اليوم.. حيث أحدثت هزيمته في الانتخابات والتصديق على فوز جو بايدن فجوة كبيرة في المجتمع الأميركي، وعرّت مزاعم الحرية والديمقراطية الأميركية وشعاراتها الرنانة.
هذا الاعتداء الذي أفرز كثيراً من المفردات والتحليلات والعورات، لا يريد الديمقراطيون أن يمرروه لترامب خاصة بعد فشلهم في مساءلته وعزله في المرة الأولى لسوء سياساته وسوء استخدامه للسلطة.. واليوم هم يسعون إلى محاولة عزل ثانية رغم الأيام القليلة المتبقية له والتي لا تتجاوز الأسبوع.. وهو ما ظهر اليوم الأربعاء بعد أن صوّت مجلس النواب الأميركيّ بالموافقة على قرار يدعو نائب الرئيس مايك بنس إلى تفعيل المادة 25 لعزل ترامب، حيث صوّت لمصلحة القرار 222 نائباً فيما عارضه 204.
هذا الانفلات الأمني الذي حدث دفع رئيس هيئة الأركان الأميركية مارك ميلي لوصفه بغزو الكونغرس، مطالباً القوات الأمنية بالقيام بواجباتها في حماية الدستور ورفض التطرّف.
هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة قالت إن نتائج الانتخابات الرئاسيّة تؤكّد أن جو بايدن سيكون الرئيس المقبل للبلاد، مندّدة بالهجوم على الكونغرس والمسار الدستوريّ في البلاد واعتبرت أن العقيدة العسكرية ولاؤها لحماية الدستور، ليس إلا، وذلك في بيان اعتبر “غير اعتياديّ” موجّهاً إلى القوات المسلّحة.
ومع وصف العديد لترامب بأنه يشكل خطراً كبيراً، قال رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأميركي جيري نادلر إن الرئيس ترامب يمثل خطراً واضحاً وقائماً على الدستور والديمقراطية في البلاد، مبيناً أنه ارتكب جريمة كبيرة ضد البلاد بالتحريض على التمرد في مبنى الكونغرس في محاولة لإلغاء نتائج الانتخابات، معتبراً أنه رئيس غير مؤهل للبقاء في منصبه ليوم واحد والحقائق تستدعي مقاضاته فوراً”.
هنا يبدو أن المعركة ستستعر مع الجمهوريين أكثر، بعد أن أعلن بنس رسمياً رفضه اللجوء إلى التعديل الـ 25 للدستور لتنحية ترامب، في قرار سيدفع الديمقراطيين لأن يوجّهوا، في سابقة بتاريخ الولايات المتحدة، لائحة اتهامية للمرة الثانية ضدّ ترامب لمحاكمته في مجلس الشيوخ بهدف عزله.
وهو ما أتى بعد الرسالة التي وجهها بنس إلى رئيسة مجلس النواب الديمقراطية نانسي بيلوسي بالقول: إنّه “مع بقاء ثمانية أيام فقط في فترة ولاية الرئيس، أنتِ والكتلة الديمقراطية تطلبان منّي ومن الحكومة تفعيل التعديل الـ 25” للدستور، والذي يجيز لنائب الرئيس بأن يقرّر بالاشتراك مع أغلبية الوزراء تنحية الرئيس إذا ما وجدوه غير قادر على تحمّل أعباء منصبه.. لا أعتقد أنّ مثل هذا الإجراء يصبّ في مصلحة أمّتنا أو يتماشى مع دستورنا”، وذلك قبيل ساعات من تصويت مجلس النواب على إجراء يدعوه إلى الاستناد للتعديل الدستوري الـ 25 لتنحية الرئيس كي لا يضطر المجلس للتصويت اعتباراً من اليوم على توجيه لائحة اتهامية لترامب.
وبين أن التعديل الدستوري يمكن اللجوء إليه في حالة وحيدة هي “إصابة الرئيس بالعجز أو الإعاقة”، ولا يمكن بتاتاً استخدامه “وسيلة للعقاب أو لاغتصاب السلطة”، موضحاً أنه قاوم كل الضغوط، وأوفى بواجبه الدستوري في المصادقة على فوز منافس ترامب بالرئاسة.
وقال: “لن أستسلم الآن للجهود المبذولة في مجلس النواب لممارسة ألاعيب سياسية في وقت شديد الخطورة في حياة أمتنا”.
وكانت بيلوسي حذّرت بنس من أنّ مجلس النواب لن يتوانى عن إطلاق محاكمة برلمانية ثانية لترامب إذا لم تتم تنحية الرئيس بموجب التعديل الدستوري.
وسط هذه المعارك والتصريحات الكلامية المحتدمة، أفادت شبكة “سي إن إن” نقلا عن مصادر مقربة من ترامب بأنه لا يفكر في الاستقالة المبكرة، لأنها تعني الإقرار بالهزيمة، ولذلك يتوقع أن يصل إلى نهاية ولايته “من دون هذا النوع من المذلة”.
حيث رأى خبراء أميركيون بحسب وكالة أنباء نوفوستي أن ترامب قد يعفو عن نفسه، إلا أن ذلك قد ينقلب ضده، ولن يحميه من الملاحقة القضائية المحتملة على مستوى الدولة.
هنا، لفت جيمس غاردنر، أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق بجامعة بوفالو، إلى أن جدلا كبيرا يدور حول هذه القضية، مشيرا إلى أن ما يجري سابقة تاريخية، مشدداً على أن وجهة نظره ترى أن “العفو عن النفس مستحيل منطقيا، وبالتالي هو محظور “.
أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة مينيسوتا، ديفيد شولتز، فأشار إلى أن “للرئيس الحق في تأجيل تنفيذ الأحكام والعفو عن الجرائم ضد الولايات المتحدة، باستثناء قضايا الإقالة”، لافتا إلى أن المحكمة العليا كانت قضت في عام 1867 بأن “الصلاحيات الممنوحة بهذه الطريقة غير محدودة”.
وذكر رونالد تشين، الأستاذ في جامعة روتجرز، أن وزارة العدل كانت “أصدرت بعد ذلك وثيقة تنص على أن الرئيس لا يمكنه العفو عن نفسه، لأن ذلك مخالف لروح الدستور، ولا يمكن لشخص أن يكون قاضيا في قضية تخصه، ومع ذلك، ليس هذا هو العامل الحاسم”.