الثورة أون لاين- لميس عودة:
ما جرى في أميركا من أحداث بلطجة وفوضى وشغب عكستها مشاهد وصور اقتحام الكابيتول من قبل أنصار دونالد ترامب المنتهية ولايته، لم يسقط أقنعة الدجل الديمقراطي عن الوجه الأميركي فحسب، وإنما حشر واشنطن في زاوية الارتباك وأدخلها في دوامة الخوف من تداعيات ما حدث على هيكلية حياتها السياسية بالمجمل، وكشف أيضا عن الجذور الحقيقية للواقع الأميركي الذي يجري تغطيته بقش شعارات جوفاء تتناقض مع حقيقة التركيبة الأميركية الهمجية والدموية والعنصرية التي يتم إخفاؤها بخبث ومكر، وتقديمها بشكل مخالف للواقع ومجاف للحقيقة التي بدت في مشهد اقتحام الكونغرس أكثر وضوحاً وأشد جلاء لكل من في عينيه غشاوة وهم عن ديمقراطية زائفة يتم اتخاذها مطية من الإدارات الأميركية لغزو الدول وبث الفوضى التخريبية فيها.
المتمعن في التاريخ الأميركي البعيد منه والقريب، يدرك أن الدموية والإجرام والعنصرية البغيضة والعربدة العدوانية هي أسس قامت عليها أميركا وبنت على قواعدها ركائز تعديها واستباحتها للحقوق وتطاولها العدواني على الدول، وهذا الشيء متأصل ومتجذر في عقلية كل حكامها على اختلاف مشاربهم وتنوع أحزابهم، وإن حاولوا التمويه والتعتيم على قبح ما يسود في المجتمع الأميركي من ممارسات وفظائع وحشية وانتهاكات موثقة بحق فئات معينة من الشعب الأميركي وفي مقدمتهم أصحاب البشرة الملونة .
أعمال البلطجة التي تم توثيقها ليست حدثاً عابراً مضى وانتهت مفاعيله وتم احتواء تبعاته كما تحاول المؤسسات السياسية في واشنطن ووسائل الإعلام الأميركي ترويجه، فعقلية الغطرسة الأميركية التي تخطط بشكل شيطاني وتصوغ سيناريوهات البلطجة لتنفيذها على امتداد الرقعة العالمية التي يسيل عليها لعاب جشعها وطمعها،هي القاعدة للحكم والتحكم والسيطرة وركيزة الهيمنة التي تنطلق منها الإدارات الأميركية لنفث سمومها على اتساع الخريطة الدولية، وأحداث الكونغرس، عدا أنها عكست واقعاً مغيباً ومعتما عليه عن التركيبة الأميركية بما فيها من مافيات وعصابات مرتزقة تدار بأزرار مافيات الأحزاب السياسية، فإنها عرت كل المنظومة اللا أخلاقية لأميركا، لتظهر النزعة الإرهابية الدميمة عارية على الملأ الدولي، بعد أن أذابت حرارة البلطجة في شوارعها وأروقة الكونغرس كل مساحيق الادعاء الديمقراطي والأكاذيب الدستورية.
ما جرى في واشنطن وخلف أسوار الكابيتول لم يكن مفاجئاً أو مستغرباً فمن قرأ التاريخ الأميركي الإرهابي الأسود لم تنطل عليه يوما الأكاذيب التي يجري تعويمها على السطح الإعلامي ويتم التشدق بها على منصات المجون السياسي، ولم تخدعه الشعارات الزائفة، إذ كيف لدولة قامت منذ البدء على أشلاء ودماء سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر أن تصدر حريات وتسوق لمفاهيم ديمقراطية ! وكيف لمن أسس إمبراطورية “عظمى” للتعدي والتمدد الاستعماري بالقتل والإرهاب والنار أن تثور حميته الزائفة لسلام الشعوب وحقوقهم، فهل يمكن لمن يقرأ التاريخ أو يتمعن في مشاهد الحاضر أن ينساق وراء الأقوال والخطابات الممجوجة، والشواهد على الإجرام الأميركي في داخل الولايات المتحدة الأميركية وخارجها أكثر من أن يحصيها سجل إجرامي.
إناء الإدارات الأميركية ينضح بالإجرام والبلطجة والتعديات، ونزعة التسلط تسيطر على عقلية كل المسؤولين الأميركيين، وهي واضحة أكثر لدى الأحزاب السياسية التي تسعى إلى التمدد والهيمنة على دول العالم وزعزعة استقرارها عبر الإرهاب والعدوان ، وما حدث في الكابيتول يعطي الصورة الحقيقية لأميركا ونظامها السياسي .