الثورة أون لاين _ فؤاد مسعد:
لأدوار الشر سحرها الخاص وغوايتها التي تجذب إليها العديد من الممثلين ، لما تحتاجه من قدرات فنية عالية وما تكتنز من عوالم تحمل الكثير من الصعوبة والرهبة والمتعة في الأداء ، فتشكل حافزاً ومحرضاً لطاقاتهم وملكاتهم الإبداعية لتقديم الأفضل والمختلف ، ويُعتبر الخوض في غمارها أشبه بالسير على حد السكين، هناك من يتفاداها أو يخشاها خوفاً من أن تخلق فجوة بينه وبين الجمهور ، وهناك من يبدع فيها إلى درجة أن اسماء فنانين ارتبطت بها عبر تقديم نماذج متنوعة ومتلونة منها، كما برزت نجومية العديد منهم من خلالها، لأن الدور السلبي أو الشرير يشكّل بالنسبة إليهم تحدياً لما يحتاجه من ملكات خاصة وقدرة على الغوص في عمق مفردات الشخصية والشغل على أدق تفاصيلها والبحث عن أدوات تعبير تلائم طبيعتها وغنى مضمونها.
مما لا شك فيه أن الفعل الدرامي لا يكتمل إلا بوجود الخير والشر معاً ، ويبقى الرهان على قدرة الكاتب في تناول نماذج حياتية قريبة من الواقع ، تعالج مجموعة من القضايا والسلوكيات والإشكاليات والأخلاقيات التي يعاني منها المجتمع عاكسة أموراً يعيشها الناس ، ومن هذا المنطلق يمكن فهم فكرة تناول أدوار الشر في المسلسلات عبر تقديمها الدوافع والأسباب التي أدت لحدوث الفعل الشرير ليتم تداركه أو معالجته، ورغم أن هناك أعمالاً تلجأ للدور الشرير وتمعن في الغوص فيه من باب استجرار المشاهد عاطفياً ، إلا أن هناك الكثير من الأعمال التي توظف هذا الدور متصدية لظواهر سلبية في المجتمع قد تكون قابلة للتعميم بشكل أو بآخر، وبالتالي التصدي لهذه النماذج بوعي ونضج سيكون له قيمة فنية مميزة بحيث يقدم رسالة أخلاقية وفكرية.
هناك أعمال تلجأ إلى طرح شخصية من لون واحد يغلب الجانب الشرير على أفعالها ومع تصاعد هذه الأفعال تتصاعد وتيرة التشويق والإثارة وكثيراً ما يعمد صانعو هذه الأعمال إلى الذهاب في الأمور إلى نهاياتها فيصلون في الشخصيات التي يطرحونها إلى قمة أفعالها ، وغالباً ما تتواجد مثل هذه الشخصيات في الأعمال المُدبلجة أو (المُستنسخة عن المدبلجة) ومسلسلات البيئة الشامية التي تطرح لونين فاقعين (خير مُطلق ، شر مُطلق) فيكون الصراع بينهما جلياً بشكل واضح كما تتواجد في أعمال اجتماعية ولكن غالباً ما تأتي بإطار أكثر تعقيداً ، إلا أن الأدوار الشريرة التي تبدو أكثر صعوبة تلك التي تمتلك مبرراتها فتكون مركبة وتُظهر الجانب الانساني للشخصية لخلق حالة من التعاطف معها لتبدو من لحم ودم ولكن غلب فيها الجانب المظلم الأمر الذي يدفع باتجاه اظهار دوافع الفعل الشرير والأسباب الكامنة وراءه ، فالشخصية القاسية قد تمتلك بين طياتها جوانب شفافة ، ولكن الرهان يتمثل بالقدرة على دفع المتلقي ضمن المشهد الواحد على التعاطف والنفور من الشخصية السلبية في الوقت نفسه.
الأمثلة لبراعة الفنانين في تقديم الدور الشرير كثيرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر ما قدمه الفنان بسام كوسا باقتدار وإقناع ، ومن الشخصيات التي جسدها ضمن هذا الإطار شخصية نوح الرجل الفاسد في (دومينو) ومهيوب المتلاعب والمحتال في (سلاسل دهب) وأبو فهد في (الرابوص) وعاصم بك في (طاحون الشر) ، ومن الأدوار الشريرة والسلبية التي جسدها الفنانون في الموسم الدرامي الأخير وتركت بصمتها هناك شخصية المحامية العاقر ديالا وأدتها الفنانة رنا شميس في مسلسل (مقابلة مع سيد آدم) ، وعزمي بك الإنسان الوصولي في (بروكار) وأدى شخصيته الفنان زهير رمضان الذي قدم العديد من الأدوار الشريرة ، وفي العمل نفسه هناك شخصية هنائي (الفنان قاسم ملحو) . ومن الشخصيات التي حملت الشر في داخلها ضمن مسلسل (سوق الحرير) هناك شخصية شحادة (الفنان فادي صبيح) وشخصية قمر (الفنانة كاريس) وشخصية صابر (الفنان يزن الخليل) .
