الثورة أون لاين:
هل يبدو التساؤل صادماً.. ما بالنا نطرح سؤالاً عن التنمية الثقافية وثمة ضائقة اقتصادية واجتماعية نمر بها بسبب الحرب العدوانية المستمرة علينا من عشر سنوات بشكل مباشر وعقود بشكل آخر…
هل هذا وقت السؤال..؟
بالتأكيد وقته وقد تأخر طرحه كثيراً فالثقافة هي محصلة الوعي وركن أساس من مقومات الهوية الذاتية والوطنية وهي منارات الوعي الفردي والمجتمعي ورسالة ومساهمة أي مجتمع في صناعة القيم وترسيخ الإنسانية.. وهي ليست لوناً واحداً في الفكر والإبداع وغير ذلك لكنها حصيلة ونتيجة لذلك.
ينتجها المجتمع من الأسرة إلى المدرسة والجامعات والمؤسسات المعنية بها وبالتأكيد يصقلها الكتاب والمبدعون لتعود وتشكل الهوية التي يطمح إليها الجميع.
وإذا صح هذا يمكننا ببساطة القول: لدينا تنمية ووعي ثقافي لكنهما لم يرتقيا إلى ما نطمح إليه.. لأسباب كثيرة ولا نأتي بسر إذا ما قلنا إن أمراضنا المجتمعية أكثر ما تظهر جلية واضحة في المشهد الثقافي وعند صناعه.. وهذا طبيعي كما قال أحد المفكرين العالميين، لأن المثقفين هم الأكثر قدرة على تبرير ما يصنعون وكان حينها يتحدث عن الخيانة.
بكل الأحوال هذا حال معظم المشهد الثقافي في العالم لكنه يشتد قتامة في العالم الثالث وتحديداً في الوطن العربي.
وإذا كنا نرى أن أمراض المجتمع تبدو وتنعكس في سلوك من يدعون أنهم صناع تنوير … فإن ذلك لا يعني أن نحمل المجتمع المسؤولية أبداً. .فمن يصنف نفسه في قائمة الفعل الفكري والتنوير ي عليه كما قال أبو خليل الفراهيدي أن يبدأ بنفسه أولاً.. هلا كان لنفسك ذا التعليم ..
إذن ثمة أمراض تحكم الثقافة والمثقفين أسبابه موضوعية من المجتمع.. وبعضها ذاتي وهو الأخطر وهنا يصح القول .. طبيب يداوي الناس وهو عليل.
أمراض الأنا الثقافية..
يبدو المرض الأول والأكثر شيوعاً هو تورم الذات وتضخمها حتى ليبدو البعض مقدماً نفسه وكأنه محور الكون وجد ليكون الجميع في مداره.. شاعر.. ناقد .. ممثل .. إعلامي.. درامي .. إلى ما في ذلك من ألوان وصناع الثقافة.
وعلى هذا يبني طموحه أن يكون هو الخصم والحكم .. جواز المرور بكلمة منه .. يقرب ويبعد.. يهب ويحرم..
يقود هذا إلى عدم العمل والتفاعل والتشاركية والاستئثار بحيث يبدو اللون الواحد على الأوان كافة مخالفاً قانون الحياة .. وبالتأكيد لا نعني النشاز
ومن ثم ظهور الانتهازية التي فضحت الكثيرين في المشهد الثقافي .. بعضهم اقترب من أن يكون أيقونة فيما كان يدعيه من فكر وفجأة أمام إغراء بسيط قفز إلى حيث الجاهلية التي عادت به إلى الإثنية والطائفية والعائلية ولم يستطع أن يصمد أمام رنين الدولارات.
واليوم تبدو هذه الأمراض أكثر وضوحاً في عصر مشتقات الإنترنت وما في القائمة أمراض ذاتية ربما جسدها عالم الاجتماع والروائي السوري الدكتور حليم بركات في دراسته للمجتمع الغربي المعاصر.
هنا نعود إلى السؤال المطروح. هل لدينا تنمية ثقافية، وإذا كانت موجودة من المسؤول عنها.. هل تمضي قدماً نحو أهدافها… من يقودها .. وكيف … وما معوقاتها .. المؤسسات وقوانينها أم العاملون فيها … هل من يديرها نقل إليها أمراضه ونرجسيته وهنا علينا القول … لا تظهر معادن المثقفين إلا حين يديرون مؤسسات ثقافية أو يحققون طموحهم الدائم أن يكونوا صناع قرار .. أي قرار مهما كان.
هل نجرؤ على خوض غمار البحث في مؤسساتنا الثقافية.. جواب سريع قبل الإجابة.. يجب أن يكون لدينا قامات مهمة جداً ونقية ونظيفة ولدينا ما لدينا .. ولنا عودة إلى ذلك.