افتتاحية الثورة – بقلم رئيس التحرير – علي نصر الله:
لحل المُشكلات والأزمات العالمية تَكثر الاجتماعات السياسية مُتعددة الأطراف تحت عناوين الحوار – المُحادثات – المُفاوضات، وتتعدد الطروحات الدولية، غير أنّ المُشكلات لا تَجد حلولاً، بينما الأزمات تتفاقم وتزداد تعقيداً.
يَحصل ذلك ويتكرر، لماذا؟ هل لأنّ بعض أطراف الحوار “المزعوم” غير جادّة، أم لأنها تَحضر إلى الحوار بأفكار مُسبقة، وتضع قبل البدء به، وأثناءه، الشروط المَرفوضة وغير المقبولة بعد إسهامها بصنع هذه المشكلات والأزمات؟
فَرضية الحوار وعناوينها الأخلاقية قبل القانونية كآلية عمل راقية هي مَحل إجماع، وبالمَبَدأ لا يتجرأ أيّ طرف على الجَهر بإعلان الخروج عليها، بل تُتاجر الدول المُتغطرسة بادّعاء تأييد الحوار والقبول بمُخرجاته، وتدفع بمُمثليها للمشاركة تأسيساً على اعتقاد خاطئ وتقديرات واهمة تبني على قدراتها بجعل مسارات الحوار تؤدي للنهايات التي تريدها، وتحقيقاً لغاياتها، ذلك بممارسة الضغط هنا والبلطجة هناك، ما يَجعل – وفق حساباتها الخاطئة – أطراف الحوار تَخضع لإرادتها.
نتحدثُ عن أميركا والغرب، وعن مُعسكر شركائهما وأدواتهما، وإنّ تعدد الأمثلة التي تؤكد من جهة أنّ الغرب وأميركا يستغلون عناوين الحوار استغلالاً خبيثاً، وتلك التي تؤكد من جهة ثانية أن أميركا تَكذب ومعها الغرب في كل الدعوات المُوجهة للحوار والتفاوض، قد صارت هذه الأمثلة وتلك حزمة أدلة لا دليلاً واحداً يُعري ويَفضح ادعاءات تأييد الحوار ودوافع الدعوات لعقد جلساته وجولاته التي تأتي غالباً بعد العجز عن تحقيق أهدافهما بالوسائل الأخرى.
بالأمس جرى تَعطيل اجتماعات لجنة مُناقشة الدستور بجولتها الخامسة، لأن بعض الأطراف حضر مُتسلحاً بوهم مُشغليه من أفكار مُسبقة وطروحات طوتها التطورات، ولأنّ هذا البعض لا يمتلك أصلاً القرار والأهلية والإرادة، بل لا يملك من أمره شيئاً إلا أن يُردد ما تمّ تَلقينه إياه ببغائياً، ليُواصل ارتهانه وأداء دوره الوظيفي الرخيص، وهو ما يُسقط مَقولات الحوار وادّعاء تأييده.
ما يَصح بالنظر والإسقاط بهذا الاتجاه على اجتماعات جنيف، يَصح على اجتماعات الدول الضامنة في مسار أستانا، ذلك أنّ تركيا – أردوغان كأحد أطراف “أستانا” ضُبطت بعد كل اجتماع بارتكابها مُخالفات لمُخرجاته فضلاً عن الانقلاب عليها بممارسات على الأرض هي قولاً واحداً تأتي بالضد لكل ما اتُفق عليه، ونَصّت عليه التفاهمات والبيانات الختامية، وهو أيضاً ما يَنسف ادّعاءات القبول بالحوار، ويَفضح عناوينه الزائفة والمُخادعة، ويُعري محاولات استغلاله للوصول عبرَه إلى ما لم تُحققه حملات العدوان الشرسة التي استخدَمت إلى جانب التنظيمات الإرهابية، العقوبات والحصار، الإعلام والمُنظمات الدولية.
وإذا ما تمّ الذهاب لتوسيع الدائرة تَعميقاً لفهم المُستهجن وغير المَقبول الجاري بخُبث تحت عناوين الحوار، فإنّ ما جرى على الاتفاق النووي الإيراني يُقدم مثالاً آخر ودليلاً إضافياً على كذب ادّعاءات الحوار والقبول به، إذ لا يُمكن تَوصيف الطروحات الأميركية الحالية سوى أنها مُحاولة تجميل القُبح التي تزيد المشهد تعقيداً، وإلا فما معنى الحديث عن إقحام البرامج الصاروخية الإيرانية الدفاعية بموضوع النووي والعودة من عدمها له كاتفاق مُوقع وسارٍ بقوة استصداره من مجلس الأمن الدولي؟ وما معنى الاجترار مُجدداً بربط العودة للاتفاق بما سُمي تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة؟
في الدائرة المُتسعة ذاتها المُتخمة بالنفاق، سيجد الباحث عن حقيقة ما يُطرح “أميركياً – غربياً” تحت عناوين الحوار، العديد من القضايا المُتصلة بالصين وروسيا وكوبا وفنزويلا وسواها، ما يَدل على نَحو قاطع أنّ التشويه حالة، والتكاذب سمة، بينما الهيمنة غاية تَطغى، وهو ما يُوجب وقفة عالمية مسؤولة تُنتج خلاف ما يَسعى له الغرب وأميركا.. وقد آن أوانها!.