آن الأوان لوليمة جنائزيّة لروحك التي عبقت في المكان حيث التاريخ، وحيث أنت… وللقاء سرمدي فوقه الأقواس المزهرة والأفاريز المكلّلة، وأن ننقل رفاتك المنتصرة على الموت إلى (بيت عالما) بيت الأبدية… الراحل عالم الآثار العالمي خالد الأسعد…
التدمريون تأثروا بالأفلاطونية الجديدة من نبذ واحتقار الجسد، وبضرورة خلاص الروح منه لتعيش أبديتها، واعتبار الموت انتصاراً، وبداية للخلود الروحي… وأنت أيّها الراحل الأبدي الخالد “خالد الأسعد” خلودك الروحي يضيف لقداسة حياتك التي ملأتها نبلاً وعملاً وصدقاً وإخلاصاً لتدمر السورية التي عقدت العزم على حلّ اللعنة على “داعش” وكلّ من حاول أن يطول البشر والحجر في حصنٍ كنت له الحارس الأمين…
(لقد ارتعشت شيخوختي، وكبت نبتة قدمي، وخادمك الذي حطمه الحزن وقع بين يدي شيطان…) هذا ما اكتُشِف ووُجِد على أحد المنحوتات منذ آلاف السنين في تدمر، وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد ويروي قصة الأسعد الذي وقع فريسة بيد أعداء الإنسانية وعلِق المحزون على مدينة التاريخ تدمر بين براثن الحقد الأزلي وفي أيادي الشياطين…
المدينة الحرّة التي نعمت بالحكم الديمقراطي منذ آلاف السنين وتمتعت بحكم ذاتي عسكري وشكلّت مجلسي الشيوخ والشعب في وقت لم تحقق دول مدّعي الديمقراطية من الديمقراطية مثقال ذرة، ولم يعرف ويختبر العالم منها سوى المزيد من القتل والدم والحروب والتدمير الذي طال سورية وتدمر وآثارها ومعابدها وأعمدتها وحضارتها دون أيّ رادع إنساني وصمت عالمي لا يعرف نصرة للإنسانية…
التوحيدية ديانة عميقة في الذات التدمرية عرفها الفرد التدمري في معتقداته التي آمن فيها بإله واحد خالق عظيم خالد يتحكم في مصائر البشر ويثيب الإنسان على أعماله، ووصفته الآثار التدمرية في كتابات دُوّنت عام ١٠٣ بعد الميلاد بأنه (الرحمن الرحيم) و(الرب الأوحد)، هذا الإله انتصر لأهل الحق وأبناء سورية على الدوام وانتصر على “داعش” الإرهابية ومن يلف لفيفها ومصيرهم إلى زوال في باقي المناطق، وتبقى آثار المدن وشهداؤها الأبرار أمثال (خالد الأسعد) تكتب النصوص في صفحات المجد لتراها الأجيال القادمة كما رأيناها بأن التاريخ يخلّد العظماء ويحفظ الحضارات لأصحابها الصامدين.
رؤية- هناء الدويري