“كثيرون مروا من هنا” و”أعادوا تشكيل خرائطنا ووجوهنا”

الثورة اون لاين- هفاف ميهوب:

“بإمكانكَ أن تغيِّرَ القنوات/ هروباً من الدَّمِ والدمار/ لاعناً عجزكَ عن فعلِ أيِّ شيءٍ/ لأطفالٍ يولدونَ تحت القصفِ/ وصبيةٍ ورجالٍ ونساء وغرباء/ لا يريدونَ طعاماً ولا ماءَ ولا كهرباء/ فقط.. لو يتوقف القصف لحظة/ كي يجمعوا جثثَ الشهداء”…
كلماتٌ، هي من قصيدة الشاعر المصري. د. “عيد صالح” “كثيرون مرّوا من هنا”.. القصيدة التي احتشدت فيها مفردات الغربة والتشظّي والسقوط والخيانات والانفصام والموت والعدم، وهو ما فرضه الغرباء الأشرار على بلداننا، فتغيّرت حتى ملامح الوجوه، وخلتْ إلا من تعابير الوجوم والخوف والقلق والترقب والحزن والألم.
إنه ما فُرضَ أيضاً على أقلام المثقفين والأدباء والشعراء الوطنيين المقاومين، ممن كان أحدهم “صالح”، الذي أعجزه الـ “خواء” الذي بات يحيط بنا عن معرفة من أين يبدأ، وماذا يصف وكيف، بعد أن ألحّت ذاكرته وقصيدته، على استدعاء المشهد العربي الذي جعله لا يمهلهما وإنما يستمهلهما:
“عليَّ أن أتوقف قليلاً/ لا لالتقاطِ الأنفاسِ المتلاحقة/ من كابوسِ ثعبانٍ ظلَّ يطاردني طوال الليل/.. فالواقعُ مليءٌ بالأفاعي/ والشوارعُ تعجُّ بالنمورِ والدببة والغيلان”..
استمهلهما إلى أن يرى آثار السواد الذي نعيشهُ وشوّش رؤيته ورؤيتنا. أيضاً، إلى أن ينتهي من تفقد حزنِ روحٍ، من شدّة ما أتعبها التيه حولها، فقدت وعيها واحتمالها، فناشدها: “هنيهة”:
“أعبِّئ بعض الهواء في رئتيَّ المختنقتين/ من عوادمِ انفجاراتِ الحمقى والمفخَّخين/.. أمسحُ دموعي التي لا تُذرفْ/ وأكشطُ حزني المقيم/.. على ضفافِ روحي التي لا تريم”.
حتماً هو حالنا جميعاً، وفي زمنٍ أصبحنا فيه لا نغفو ولا نصحو إلا على الظلام. الزمن المسكون بكلِّ ما جعل أعيننا مفتوحة على بربرية الأحلام.. حالنا جميعاً، في وطنٍ استهدف النزيف قلبه بعد أن طعنه أعداء الإنسانية والحياة، وإلى أن بدأ الدمّ يفورُ فيغمره، وتتناثر الأشلاء، وتتداعى الانفجارات.
“تتداعى الانفجاراتُ/ حيثُ لا وقت لحسابِ الوقتِ/ ولا لجمعِ الأشلاء/ ولعبِ الأطفالِ المتأرجحة والكراسات”..
هكذا بات حالنا. حال العرب ممن ابتَلوا بأوبئةِ الموت القادم مع قطعان الذئاب التي مزقتهم بشراستها.. “الشراسة” التي لم يفلح كُثر ومنهم “صالح” في تبنّيها إبداعاً هو سبيلهم لمواجهتها.
لم يُفلح، لأنه كان وفي كلِّ مرّة يسعى فيها لتحدِّي هذه الذئاب، وبتظاهره بأنه مثلها وقادر على التعايش معها، يعجز عن استبدالِ وجههُ الإنساني، وارتداءِ البشعِ من أقنعتها.
“أراني في وجوهٍ كثيرة/ حيثُ الأقنعة والمرايا الخادعة/ ها أنذا أحملُ وجهَ ذئبٍ بريءٍ/ حتى لا تأكلني الذئابُ/ لا تنهشوا لحمي/ ولا تمثِّلوا بجثَّتي/ واحتفظوا لي بوجهٍ واحدٍ أعرفهُ/ في لعبةِ القنصِ والاصطياد”.
هو فعلاً واقعٌ أكثر من مؤلم، ويبحث فيه العاقل عن كلِّ شيءٍ وفي كل شيء، وهو ما بحث عنه “صالح” وباعترافه في نثريته:
“أبحثُ في كلِّ شيءٍ، عن أيّ شيءٍ/ عن الوقتِ في الوقتِ/ وعن الأصحابِ في الأصحاب/ وعن نفسي في نفسي”..
لاشكَّ أنه وفي بحثه العبثي هذا، قد أعلن عجزه عن التعافي من وباءات أعداء الحياة وشرورهم. أعلن عجزه وهو الطبيب المعروف بقدرته على الغوص في أعماق الذات، لاستنباطِ ما يبلسم به مواجع الناس وجراحهم.
أعلن عجزه أيضاً، كإنسانٍ ومبدعٍ بات من الصعبِ عليه تشخيص كل شيءٍ فيهِ وحولهُ ولديه.. أعلن ذلك ذات حوارٍ كان قد قال فيه:
“صعبٌ أن يُشخِّص الإنسان نفسه أو يسبر أغوارها، فمن اصطلى بنار الكتابة، كمن أصيب بلعنة الفراعنة. مُطاردٌ بالبحث عن أجمل نصٍّ لم يولد بعد، ومُطاردٌ بالتناقض والانشطار والازدواج والفصام”. مطاردٌ، بكلِّ ما أشعَره وأشعَرنا:
“لا حيلة في الموتِ ولا في الحياة/ الموتُ يترصّد بأكثرِ الأماكنِ أماناً/ لا مهربَ منه إلا إليه/ كأننا في مأتمٍ جماعي/ نعدُّ لقيامةٍ على الأبواب”..
باختصار، هي ليست الصرخة الأولى لشاعرٍ لا يقولُ “بنبوَّة المبدع وإن وجدت، بل بإنسانيته وإشراقاته واختراقاته واستشرافاته.. بصدقه وبساطته ورقته وعنفوانه وبراكينه ومحيطاته وشواطئه. حيث نصّ الحياة”.
نعم، هي ليست الصرخة الأولى لشاعرٍ لا يعرف الانتماء إلا للوطن والعدل والكرامة والإنسانية.. شاعرٌ، تنقَّلت فصول قصائده من “خريف المرايا” إلى “شتاء الأسئلة”، ورؤاه الواقعية:
“كثيرون مرّوا من هنا/ لم يتركوا أثراً أو علامة/ جاؤوا من بلادٍ بعيدة/ في انتظارِ الوقت الذي لا يجيء/ كثيرون عاشوا في أملِ العودة/ حتى ماتوا حسرةً واشتياقاً/ كثيرون لا يعرفون لهم بوصلة/ ولا محطات وصولٍ ولا انتهاء”..

آخر الأخبار
أردوغان: إسرائيل تزرع الانقسامات في سوريا وتهدد استقرار المنطقة ترحيب واسع بمحادثات مسقط ترامب متفائل والبيت الأبيض يصفها بالبناءة برمجيات خبيثة تتسلل للهواتف الذكية.. "أمن المعلومات" يحذر: Crocodilus تسرق بياناتك إلغاء جمركة الموبايلات يفتح التكهنات باتجاه التحوّل الرقمي والحكومة الإلكترونية المباشرة بتنفيذ شبكات المياه في قرية دبلان بدير الزور الذكاء الاصطناعي" ومكافحة حرائق الغابات بالتعاون مع الجمعية الطبية الألمانية.."نبضنا واحد" تدريبات طبية متقدمة في مستشفى حماة شو "الأمانة السورية " ذراع أسماء الأسد المخربة.. مشروعها في التكية السليمانية كارثيٌّ العمل مستمر لإصلاح الأعطال الكهربائية في مصياف البسطات في منطقة الريجي باللاذقية تعوق حركة المرور تأهيل وتجميل جسر الحرية بدمشق مستمر حلب.. حملة لإزالة آثار النظام البائد من شعارات ورسومات "أكساد" شريك رئيس في معرض سوريا الدولي الثالث "آغرو سيريا" "كهرباء اللاذقية".. تركيب محولة في الحفة وإصلاح الأعطال في المدينة خدمات صحية متكاملة في صافيتا جهود مستمرة لتأمين الكهرباء في جبلة مزاجية ترامب تضع أسواق النفط على "كف عفريت" اجتماع لتذليل الصعوبات في المستشفى الوطني باللاذقية متابعة جاهزية مجبل الإسفلت بطرطوس.. وضبط الإشغالات المخالفة بسوق الغمقة الحرب التجارية تدفع الذهب نحو مستويات تاريخية.. ماذا عنه محلياً؟