الثورة أون لاين – محمود ديبو:
16 من أهم رواد الفن التشكيلي في سورية عبروا عن مخاوفهم من فقدان أماكن عملهم (المراسم) التي احتضنت نتاجهم الفني على مدى أكثر من أربعة عقود.
هؤلاء الذين أسسوا لحركة فنية تشكيلية في سورية وتخرجت على أيديهم أجيال من الفنانين التشكيليين بمختلف الاختصاصات، هم اليوم يقفون على مفترق صعب يتهدد مصير مشاغلهم الفنية التي لم يفارقوها يوماً إلى أن فارق بعضهم الحياة ومنهم الفنان محمود جلال والدكتور غازي الخالدي.
ومعهم يعود بنا الزمن إلى بداية سبعينيات القرن الماضي عندما قام هؤلاء بإشادة بناءين سكنيين مرخصين أصولاً، صمما بشكل خاص لسكن وعمل الفنانين التشكيليين حيث تم تخصيص كل فنان بمشغل أو مرسم في الطابق الأرضي من البناء لقاء أجار سنوي رمزي جداً، الأمر الذي أعطى كل فنان مساحة واسعة ليبدع ويعمل بأكثر الظروف راحة وأقلها تكلفة.
ومرت سنوات طويلة على هذا الحال دون أن يشعر هؤلاء أن أحداً سيزاحمهم يوماً على هذه الأمتار البسيطة التي يشغلونها والتي منها انطلقت إشعاعات من الفن التشكيلي في سورية، إلا أن هذا اليوم قد أتى رغم أنه لم يكن متوقعاً، وحصل أن بدأ هؤلاء يعيشون حالة أرق مستمر منذ عدة أشهر بعد أن بدأت لجنة شاغلي البناء تطالبهم بإخلاء مراسمهم تحت ذرائع مختلفة..
ويقول الفنان التشكيلي أنس قطرميز إن معظم شاغلي البناء كانوا من الفنانين التشكيليين وهم الذين أسسوا للجمعية السكنية للفنون الجميلة وتابعوا بناء محضرين يتضح من تصميمهما الهندسي أنهما مخصصان لكي يتلاءما مع طبيعة عمل الفنان التشكيلي، ولأن الفنان يحتاج إلى مرسم خاص به ليضع أدواته وإنتاجه الفني ويعمل به فقد تم تخصيص الطابق الأرضي ليكون مشاغل للفنانين تطل على حديقة البناء، هذه المشاغل أو المراسم تم إشغالها بموجب عقود استئجار ويعود ريعها إلى لجنة البناء، وإن كانت المبالغ رمزية جداً، وهذا الأمر مر عليه سنوات طويلة، لكن مع وجود شاغلين في البناء لا يعملون بالفن ولأن منهم من هو بلجنة البناء فقد لمسنا منذ عدة أشهر عدة محاولات لإخلاء هذه المراسم من قبل شاغليها وهم الفنانين التشكيليين، وشعرنا أن هناك سعي لتحويلها إلى محلات تجارية واستثمارها بذريعة أنها ستدر على الشاغلين أرباحاً كبيرة سيستفيدون منها بدلاً من الأجور الزهيدة التي يدفعها الفنانون لقاء شغلهم للمراسم.. خاصة وأن موقع البناء استراتيجي على أوتوستراد المزة وعلى امتداد المقاهي والمطاعم التي تم افتتاحها مؤخراً بجوار مبنى اتحاد الكتاب العرب.
الغرض من القول بحسب الرسالة التي حملها إلينا قطرميز ممثلاً عن باقي الفنانين، إن هؤلاء اليوم يشعرون بالغبن والإساءة بعد كل هذه المسيرة الفنية الطويلة التي أنتجوا جل ثمارها في تلك المشاغل وكانت مراسمهم منطلقاً لها، واستطاعوا ترسيخ منتجات الفن التشكيلي السوري كواحد من أهم المنتجات التشكيلية في المحافل الخارجية.
ويشير قطرميز إلى أنه من بين تلك المحاولات كان هناك تبليغات بالإخلاء ومساعٍ لدى بعض دوائر محافظة دمشق لدعم توجههم هذا بإخلاء تلك المراسم تحت حجج مختلفة، وتدخل غير رسمي من قبل البعض للضغط بهذا الاتجاه، علماً أن المراسم مشغولة بموجب عقود إيجارات قديمة ولا يحق لأحد إخلاء الشاغلين بهذه الطريقة، مع التأكيد والتذكير بأن شاغليها من سكان البناء نفسه، وبالتالي هم أحرص ما يكون على البناء وسكانه، ولعلهم أحق بما هو حق لهم أكثر من غيرهم.
فهل هكذا يكون الجزاء وبهذه الطريقة تكون مكافأة المبدعين، يتساءل الفنانون، أليس من المفروض أن تتضافر كل الجهود لتؤمن البيئة الخصبة للإبداع بكل أشكاله في بلدنا، وتتجه المساعي للأخذ بيد كل مبدع ومنتج وخلاق، فالفن رسالة سامية تعكس مستوى حضارة الشعوب وثقافاتهم وتنسج فيما بينهم لغة محاكاة خاصة تبقى على مر الأجيال.