العديد من الملفات الساخنة على الساحة الدولية تشكل اليوم ساحة اختبار للولايات المتحدة بزعامة بايدن ومعها الأتباع والحلفاء من جهة، والدول المستهدفة بالإرهاب الأميركي متعدد الأوجه من جهة ثانية، وجوهر هذا الاختبار يكمن في مدى قدرة أميركا على تحسين صورتها من خلال الالتزام بأحكام المواثيق الدولية والمبادئ الأخلاقية، مقابل إثبات الدول المناهضة لسياسات الهيمنة قدرتها على تثبيت قواعد النظام العالمي الجديد، على أساس العدل والمساواة، والندية والاحترام المتبادل في العلاقات الدولية.
الولايات المتحدة تدرك أكثر من أي وقت مضى أنها باتت تفقد مكانتها العالمية بسبب إفراطها باستخدام أساليب القوة والبطش، والاعتماد على سياسة الضغط والابتزاز لمحاولة الحفاظ على دورها المهيمن على الساحة العالمية، حتى بات حلفاؤها الأوروبيون يفكرون بالخروج من تحت عباءتها وإيجاد مظلة حماية بديلة، وهذه الفكرة تعززت بعهد ترامب، الأمر الذي دفع بإدارة بايدن لإعادة استقطابهم من جديد ليكونوا عونا لها على طريق استعادة أميركا لدورها القيادي، وتكثر هذه الإدارة من الحديث عن الدبلوماسية والحوار لحل الأزمات الدولية العاصفة، ولكنها لم تزل فاقدة للإرادة السياسية الكافية لتطبيق هذا النهج، وتعيد انتاج كل الخيارات الخاطئة التي اتخذتها الإدارات السابقة، ما يعني انها ستواجه الفشل ذاته، وهذه الخيارات نلاحظها بوضوح من خلال تكريس هذه الإدارة للسياسة العدائية تجاه سورية وإيران وروسيا والصين، وسائر الدول التي تقف بوجه الغطرسة الأميركية.
سورية نموذج حي للدول الصامدة بوجه سياسة الهيمنة الأميركية، لم ترهبها سياسة الضغوط والابتزاز رغم شراسة الحرب الإرهابية بأشكالها وألوانها المتعددة، وبصمودها الأسطوري أرست اللبنة الأساسية لتثبيت قواعد النظام العالمي الجديد، وإدارة بايدن تعمد لاستنساخ مراحل العدوان على الشعب السوري، لكنها لم تزل تصطدم بجدار صموده، وإيران أيضا لم تخضع للمشيئة الأميركية والغربية، ووضعت أميركا وأوروبا أمام خيارين لا ثالث لهما:(إما العودة إلى الاتفاق النووي عن طريق الالتزام بالتعهدات التي يقضيها الاتفاق، أو زيادة تخصيب اليورانيوم، والاستمرار بخطوات تخفيض التزاماتها)، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا والصين لم تنجح سياسة التصادم معهما باحتواء قوتهما المتصاعدة على الساحة الدولية، وإعلان بايدن عن رغبته بتبني استراتيجية أكثر حزما تجاههما عبر إعادة “التحالف بين ضفتي الاطلسي” لم يثبط عزيمة كلا البلدين عن الاستمرار في مواجهة السياسة الأميركية حتى بلوغ هدف إرساء النظام العالمي الجديد، على اعتبار أن نهج الأحادية القطبية قد ولى، وعفا عليه الزمن.
ما يجري اليوم هو حرب إرادات بين قوى صاعدة رافضة لسياسات الهيمنة في العلاقات الدولية، وبين القوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة اللاهثة لتثبيت تلك السياسة الرهينة للمصالح الاستعمارية، والتي تهدد الاستقرار العالمي برمته تحت ستار “نشر الديمقراطية والحرية، وصون حقوق الإنسان”، تلك الشعارات التي ثبت زيفها، وكلنا على يقين بأن إدارة بايدن ستسقط في اختبار تحسين صورة أميركا، فهي لا تزال حبيسة أوهامها بفرض السيطرة الأميركية المطلقة على العالم، وتقرأ المتغيرات الدولية الحاصلة من زاوية خاطئة، فيما الدول المتمسكة بقرارها السيادي الحر، أكثر عزما وتصميما اليوم على مواصلة التصدي لكل المشاريع الأميركية والغربية، وأثبتت بصمودها أنها قادرة على قلب كل المعادلات والمفاهيم الخاطئة التي فرضها عصر الهيمنة الأحادية، وصولا لتثبيت قواعد النظام العالمي الجديد، متعدد الأقطاب.
نبض الحدث – ناصر منذر