خُلقتِ جميلة

هاتان الكلمتان تصدرتا غلاف شريط الكاسيت الأنيق الذي صممه الفنان التشكيلي الحلبي القدير نعمت بدوي، ووصلني من أحد الأصدقاء مطلع التسعينيات، لتكون هذه الهدية الجميلة فاتحة شغفي بتجربة فريدة في أصالتها وفخامتها، امتلكت لأكثر من ثلاثة عقود حضوراً رائعاً على الساحتين السورية والعربية، وحملت اسم ميادة بسيليس وسمير كويفاتي.

كان اختيار أغنية (خُلقتِ جميلة) عنواناً للكاسيت، دلالة على توجه التجربة الجديدة الواعدة، فهذه الأغنية التي غنتها المطربة الحلبية الشهيرة زكية حمدان عام 1952 (من كلمات محمود سعيد وألحان خالد أبو النصر اليافي) تعيد التذكير بواحدة من أعرق وأكبر أعلام الفن العربي الأصيل الذي يعتمد على تكامل الكلمة واللحن والأداء، وقد لقبت زكية حمدان بـ (أم كلثوم الشام) غير أنها لم تكن تقلد أم كلثوم، وإنما تضفي إحساسها الخاص في الأداء، وهو ما فعلته ميادة بسيلس في أدائها لهذه الأغنية، وكذلك في أدائها لأغنية زكية حمدان الأشهر (سليمة) من كلمات الشاعر السوري نوفل إلياس وألحان خالد أبو النصر اليافي، وقبل ذلك في أدائها لأغنية (يا قاتلي بالهجر) التي غناها وديع الصافي من كلمات الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، والتي كانت عنوان شريطها الأول الذي صدر عام 1986.

ولدت ميادة بسيليس عام 1967 في مدينة حلب، وبدأت مشوارها الغنائي باكراً إذ غنت في برنامج المواهب بإذاعتها، وهي بعمر التاسعة، دور(أصل الغرام)، ثم تتلمذت على يد الأب جورج بيروتي الذي علمها أصول الغناء والإنشاد إلى أن أصبحت مرتلة منفردة، إلا أن المرحلة الفنية الأهم في حياتها كانت إثر لقائها بزوجها سمير كويفاتي الذي شكّل وإياها ثنائياً فنياً وعائلياً متناغماً ومتكاملاً ونشيطاً، فبعد شريطي (يا قاتلي بالهجر) و (خُلقتِ جميلة) صدر لهما أثنا عشر شريطاً جمعت بين الأغاني التراثية، والأغاني المجددة في التراث الغنائي العربي، والأغاني الجديدة، لحن معظمها، أو قام بإعدادها موسيقياً، سمير كويفاتي، ومن أشهر هذه الأشرطة: (بقلبي في حكي) و(حنين) و(ياليالي) و (المغنية والعود)، و(يا غالي)، إضافة إلى مجموعة ترانيم دينية وأغاني وطنية (أبانا – شجرة العيد – أمسية ميلادية – مريميات – أجراس بيت لحم).

في مهرجان الأغنية السورية الثاني الذي أقيم في قلعة حلب عام 1995 قدم سمير بالتعاون مع الموسيقي الرائع نوري اسكندر (نشيد التآخي) الذي اختتمت به الليلة الأولى من المهرجان وبقي راسخاً في ذاكرة كل من حضرها حتى اليوم، وفي المهرجانات التالية ظهرت جلياً براعة سمير كموسيقي، وخاصة في (اللوحات البانورامية) التي كانت تجمع ألوان الغناء السوري، أو أغانٍ متعددة عن موضوع واحد، بالتوازي كانت ميادة تزداد تألقاً من مهرجان لآخر بفضل حضورها الأنيق على المسرح، وأدائها المليء دفئاً وإحساساً وجمالاً، وهو ما أهلها لتنال غير مرة (الأورنينا الذهبية) جائزة المهرجان الكبرى، فنالت جائزة أفضل أداء وحضور مسرحي نسائي في المهرجان الرابع عام 1997 عن أغنية (كذبك حلو) من كلمات وألحان سمير كويفاتي، والتي نالت عليها عام 1999 الجائزة الذهبية في مهرجان الأغنية العربية بالقاهرة.

كان مهرجان الأغنية السورية الثالث عام 1996 قد شهد أول مشاركة لميادة بسيليس، حيث غنت مع المجموعة أغنية الافتتاح (قانا) من كلمات عيسى أيوب ولحن نوري اسكندر وتوزيع سمير كويفاتي، وفي الليلة الثالثة للمهرجان قدمت أغنية (حنين) التي نالت عليها الأورنينا الذهبية وهي من لحن سمير كويفاتي وكلمات الشاعر سمير طحان وباسمه يرتبط عدد من أجمل أغانيها وأكثرها نجاحاً وانتشاراً، مثل أغنية (يا غالي) التي نالت الأورنينا الذهبية لأفضل أغنية حديثة في مهرجان الأغنية الخامس عام 1998، وأغنية (هوى ثاني) التي نالت الجائزة ذاتها في المهرجان السادس عام 1999، وأغنية (خليني على قدي) في المهرجان السابع عام 2000 وأغنية (يا جبل ما تهزك ريح) في المهرجان الثامن عام 2002.

في وقت مبكر التقى الثنائي سمير وميادة بالأديب المبدع سمير طحان، ولا يحتاج المرء لمعرفة سمير طحان شخصياً ليكتشف العمق الإنساني لكلماته الشعرية، لكن معرفة كهذه ستحوّل الاكتشاف إلى إعجاب جليل، ذلك أن كلمات أشعاره التي تنضح تفاؤلاً وتسامحاً وحباً لا تنسجم بأي حال مع الظروف القاسية التي أحاطت حياته، فأثناء خدمته العسكرية مطلع السبعينيات انفجر فيه لغم معادٍ حين كان يقوم بتفكيكه، ولم تستطع رحلة العلاج التي أرسلته الدولة بها إلى أفضل المستشفيات الأوروبية فعل الكثير فعاش منذ مطلع شبابه فاقداً لكفيه وبصره وقسماً كبيراً من سمعه، غير أن إرادة الحياة فيه كانت أقوى، فكافح ليعيشها بكل حب، إلى حد أنه خلال إحدى حفلات ميادة في مدينة حلب وقف يصفق بحرارة دون كفيه المفقودتين.

إلى جانب الجوائز السابقة نالت ميادة جائزة مهرجان الأغنية العربية في الدار البيضاء عن أغنيتها (يا رجائي) عام 2005، وغنت بدار الأوبرا في دمشق، ومدريد، والقاهرة، وفي قصر الفنون الجميلة في سان فرانسيسكو، وشارك الزوجان المبدعان في تسجيل عدد من شارات المسلسلات التلفزيونية المهمة، قد يكون أجملها وأقربها للذاكرة الشارة الرائعة لمسلسل (حارس القدس) التي اجتمعت فيها بلاغة الشاعر الكبير يوسف الخطيب وبراعة التوليف الموسيقي لسمير كويفاتي، والأداء الساحر لميادة بسيليس.

لم تكن ميادة بسيليس مغنية محترفة بالمعنى الشائع، وإنما ركنٌ من مشروع إبداعي غنائي يحرص على هويته الواضحة ومستواه الرفيع، وهو ما يفسر (احتكار) صوتها من سمير كويفاتي، شريكها في الحياة والفن، والركن الآخر من المشروع الراقي الرائع.

إضاءات -سعد القاسم:

 

آخر الأخبار
السفير الضحاك: عجز مجلس الأمن يشجع “إسرائيل” على مواصلة اعتداءاتها الوحشية على دول المنطقة وشعوبها نيبينزيا: إحباط واشنطن وقف الحرب في غزة يجعلها مسؤولة عن مقتل الأبرياء 66 شهيداً وأكثر من مئة مصاب بمجزرة جديدة للاحتلال في جباليا استشهاد شاب برصاص الاحتلال في نابلس معبر جديدة يابوس لا يزال متوقفاً.. و وزارة الاقتصاد تفوض الجمارك بتعديل جمرك التخليص السبت القادم… ورشة عمل حول واقع سوق التمويل للمشروعات متناهية الصغر والصغيرة وآفاق تطويرها مدير "التجارة الداخلية" بالقنيطرة: تعزيز التشاركية مع جميع الفعاليات ٢٧ بحثاً علمياً بانتظار الدعم في صندوق دعم البحث العلمي الجلالي يطلب من وزارة التجارة الداخلية تقديم رؤيتها حول تطوير عمل السورية للتجارة نيكاراغوا تدين العدوان الإسرائيلي على مدينة تدمر السورية جامعة دمشق في النسخة الأولى لتصنيف العلوم المتعدد صباغ يلتقي قاليباف في طهران انخفاض المستوى المعيشي لغالبية الأسر أدى إلى مزيد من الاستقالات التحكيم في فض النزاعات الجمركية وشروط خاصة للنظر في القضايا المعروضة جمعية مكاتب السياحة: القرارات المفاجئة تعوق عمل المؤسسات السياحية الأمم المتحدة تجدد رفضها فرض”إسرائيل” قوانينها وإدارتها على الجولان السوري المحتل انطلقت اليوم في ريف دمشق.. 5 لجان تدرس مراسيم و قوانين التجارة الداخلية وتقدم نتائجها خلال شهر مجلس الشعب يقر ثلاثة مشروعات قوانين تتعلق بالتربية والتعليم والقضاء المقاومة اللبنانية تستهدف تجمعات لقوات العدو في عدة مواقع ومستوطنات “اللغة العربيّة وأثرها في تعزيز الهويّة الوطنيّة الجامعة”.. ندوة في كلية التربية الرابعة بالقنيطرة