الثورة أون لاين – ترجمة ختام أحمد:
وصلت العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا إلى منعطف خطير بعد تلفظ الرئيس الأمريكي جو بايدن بعبارة غير لائقة بحق نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقد يكون العالم ممتناً لروسيا وللرئيس بوتين أن يتصرف بهدوء شديد في رده على افتراء بايدن الفتاك.
من المحتمل أن تتصاعد الأزمة في العلاقات الثنائية بعد سلوك بايدن، لكن يعود الفضل إلى موسكو في الحد من التدهور في العلاقات بسبب ضبط النفس الذي تتبعه موسكو حتى الآن.
في مقابلة مع ABC News، بثت يوم الأربعاء، سُئل بايدن عما إذا كان يوافق على أن الزعيم الروسي “قاتل”. أجاب الرئيس الأمريكي بالإيجاب: نعم “أنا أفعل”، كما حذر من أن روسيا “ستدفع ثمناً” بسبب مزاعم التدخل في الانتخابات الأمريكية وغيرها من الممارسات السيئة المفترضة.
يمكن للمرء أن يفترض أن إدارة بايدن عازمة على جعل العلاقات مع روسيا أكثر سوءاً، حيث تقوم وكالات استخباراتها بمراجعة الأكاذيب المفتعلة حول مسؤولية روسيا المزعومة في التدخل بالانتخابات، من جهته رد الرئيس الروسي بهدوء شديد، قائلاً أنه يتمنى لبايدن الصحة والعافية، حتى إن بوتين عرض إجراء محادثة مباشرة مع نظيره الأمريكي حول مجموعة من القضايا، قد يستنتج المرء أن هذه إشارات غير مباشرة إلى الشكوك حول صحة بايدن العقلية وفقدانه الواضح للقوى المعرفية عند التحدث علناً.
تمتد مسيرة بايدن المهنية كسياسي لما يقرب من نصف قرن، أولاً كسيناتور منذ فترة طويلة، ثم نائباً للرئيس في إدارتين والآن الرئيس 46 للولايات المتحدة، وخلال تلك الفترة كان بايدن لاعباً رئيسياً في تسهيل عدد لا يحصى من الحروب والعمليات العسكرية الأمريكية في الخارج والتي أسفرت عن مقتل الملايين وتدمير دول بأكملها. وبصفته أحد كبار أعضاء مجلس الشيوخ في لجنة الشؤون الخارجية، كان له دور فعال في حشد دعم الكونغرس للحرب الأمريكية على العراق التي بدأت في عام 2003، وقد أدت تلك الحرب وحدها – القائمة على الأكاذيب والافتراءات المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل – إلى مليون قتيل، وأطلقت العنان للإرهاب عبر الشرق الأوسط وما وراءه، وفي الآونة الأخيرة بعد أربعة أسابيع فقط من تنصيبه أمر بايدن بشن غارات جوية على سورية في 26 شباط الماضي ما تسبب في مقتل العديد من الأشخاص، لقد كان عملاً قاتلاً من أعمال العدوان غير القانوني.
لذا بالفعل يعرف الرئيس الأمريكي ما معنى أن تكون قاتلاً ” يراها في كل مرة ينظر فيها في المرآة “. الغطرسة والجهل العرضي للطبقة السياسية الأمريكية أمر مذهل، إنهم يوجهون اتهامات إلى بوتين بناءً على شائعات واهية مثل تسميم المحتال أليكسي نافالني، ومن ثم لا يتمتعون بالآداب أو اللياقة السياسية، وفي هذه الأثناء أكوام الجثث الملقاة تحت أقدام السياسيين الأمريكيين (ليس لديهم خجل).
في أعقاب الهجوم الأخير من الرئيس الأمريكي ووكالة مخابراته التي اتهمت روسيا دون أساس بالتدخل في انتخابات 2020، استدعت موسكو مؤقتاً سفيرها لإعادة تقييم العلاقات الثنائية.
لا توجد سابقة واقعية أو دبلوماسية للمحاولة الأمريكية الواضحة لإثارة الأزمة، حتى خلال عقود الحرب الباردة المجمدة لم ينجرف قادة الولايات المتحدة إلى مثل هذا الخطاب الجسيم والعدواني.
يبدو أن هناك انحطاطاً أكثر عمومية في سلوك واشنطن الدبلوماسي خاصة الإدارات الأخيرة، فأمريكا لم يعد لديها رجال دولة، وصفوفها السياسية مليئة بالمخترقين والمتآمرين “الجامبوين”.
عندما فاز بايدن في الانتخابات، وعد بتجديد الدبلوماسية الأمريكية بحرفية ذكية ومفاوضين ماهرين، وكانت إحدى العلامات الإيجابية المبكرة هي اتصاله الفوري بروسيا لتمديد معاهدة ستارت الجديدة التي تحكم الأسلحة النووية، لكن بصرف النظر عن هذه الخطوة، سعت إدارة بايدن إلى تقويض العلاقات الثنائية مع روسيا، وقد تم التخلي عن آفاق انفراج جديد أو إعادة ضبط. (الأمر نفسه واضح أيضاً فيما يتعلق بعلاقات الولايات المتحدة مع الصين وإيران).
يبدو من المرجح أن بايدن وفريقه يتعمدون إثارة أزمة مع روسيا من أجل تبرير سياسة جيوسياسية تهدف إلى تشديد العداء تجاه موسكو، يأتي في هذا السياق خط أنابيب الغاز (نورد ستريم 2) والهدف الأمريكي إنهاء هذا المشروع، ففي اليوم التالي وضع بايدن العلاقات مع روسيا في دوامة، ووزير خارجيته انتوني بلينكن أعلن أن الولايات المتحدة سوف تفرض عقوبات جديدة قاسية على “أي دولة تشارك في خط أنابيب “نورد ستريم 2″، وصرح بلينكين أن هناك التزاماً حكومياً كاملاً في الولايات المتحدة بوقف مشروع إمدادات الغاز بين روسيا وأوروبا.
لا يمكن المبالغة في أن خط الأنابيب البالغ حجمه 11 مليار دولار هو قضية جيوسياسية ضخمة، إنها مقدمة ومركز طموحات واشنطن العالمية، ويريد الأمريكيون القضاء عليه من أجل بيع غازهم الأكثر تكلفة إلى أوروبا لعقود قادمة، حيث تعتبر واشنطن أيضاً شراكة الطاقة بين روسيا وأوروبا عقبة أمام موقعها المهيمن، وظلت ألمانيا ودول أوروبية أخرى ثابتة في دعمها لاستكمال بناء “نورد ستريم2” الذي اكتمل حوالي 95 في المائة، وما يقرب من 1200 كيلومتر من خط الأنابيب تحت بحر البلطيق من روسيا إلى الساحل الألماني، وعندما يبدأ تشغيل الغاز سيتضاعف حجم تدفق الغاز إلى ألمانيا من روسيا، وبالتالي فهو أمر حيوي لنمو ألمانيا وأوروبا على المدى الطويل.
في محاولة يائسة لإفشال الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وأوروبا، تلجأ واشنطن إلى المزيد من التهديدات المحمومة بفرض عقوبات وغيرها من الإجراءات التخريبية، ويلعب بايدن ورقة الإهانة الشخصية في مناورة لتفجير العلاقات الثنائية مع روسيا كوسيلة لتخريب “نورد ستريم 2” .. إنها خطوة مثيرة للشفقة، وهي خطوة تتحدث في الواقع أكثر عن الضعف الأمريكي بدلاً من ادعاءات القوة، من الأفضل لروسيا أن تظل هادئة وتترك الأمريكيين يخدعون أنفسهم.
Strategic Culture