الملحق الثقافي:بديع صقور:
وسطَ هذا الزحام الكوني ..
في زحمةِ هذا الموتُ يعلو ضجيج الحياة
عند رأسِ العُمر
على مفترقِ نفقٍ من غروبٍ، نقفُ متباعدين
أقولُ لكِ:
متاعبٌ شتَّى تدفعنا للتنافرِ ..
وبين ضُلوعنا توقٌ للتشبُّثِ بمزقِ الأيام.
تقولين لي:
هكذا يدفعونَ بنا إلى رحمِ الظلامِ العقيم..
تلالٌ من صقيعٍ تغطّي ما كنَّا نمتلك.. من حقولِ دفءٍ ومحبَّة ..
يسرقونَ وقتنا، ويمنحوننا أحصنة من خشب
لم يتركوا للفرحِ موضعَ وردة ..
نسفوا البيوتَ وابتعدوا
أحرقوا شجرةَ التوتِ الوحيدة قرب تنورِ بيتنا الصغير
حيثُ كنَّا نغزلُ المواويلَ تحت ظلِّها،
لنبعد عنا شبح الحزنِ ووحشة الأيام
وحيث كنَّا نظنُّ أن الحبّ وحدهُ يبقى ..
ولا يطال الرصاص سقفَ سنابلهِ العالي
وحيثُ انتظرتكِ لنهرب معاً في شعابِ الشفق
سيطلع من رمادِ شجرةِ التوتِ شجرٌ آخر ..
وسوف نعيدُ للوردةِ نضارتها ..
ولتنُّورِ بيتنا الصغير حكاياه
الريحُ تخبُّ تحتنا، وما زلنا نحلمُ بالانطلاق ..
ننتظرهم في شوارعِ الغربة، ونتقاسمُ معهم
متاعبَ الرحيلِ وثرثرات الترهُّل ..
يقضمنا الوقتُ في محطاتِ الانتظار.
ننتظرُ طيوفَ من رحلوا، ولهذا لم يأتِ أحد
ولهذا أضعتُ عناوينَ وجهكِ وكان بي شوقٌ للقاء ..
فتَّشتُ قوافلَ الأنهار، قافلة، قافلة ..
بين مزقٍ من الذكريات، ولم أعثر على وجهكِ
ما جدوى أن نمتلك حقيبةً من ريح ..
ولا نمتلكُ عنواناً للرسائلِ التائهة ..
ولا حتى قميصاً نغطِّي به فاقة الجسد؟!
بين ركامِ المذابحِ ونسفِ الجسور
قلَّما تجدُ عنواناً أو طريقاً يوصلكَ إلى مشارفِ الضوء ..
القتل يمشي على طريقِ الياسمين ..
والحبُّ دائماً يفتِّش عن شفتين.
بين براري عينيكِ وانكسارات الرمل، تضيعُ قوافل الأهلِ الذاهبين!!..
بين أقحوانة التيهِ ومدارات قلبي، نارٌ تشتعل.
نوغلُ في النسيان ..
فوقَ سريرِ الزرقة يتبدد لون الجسد ..
وتُطيّرُ الزوابع كوفيَّة الرملِ، ولا يهبوننا ولو همسة
من يهبك الضياع، لا يمنحك سوى الغبار
الشبيهُ بالظلامِ شوكٌ يخزُّ أعماقك
والأشبه بالموتِ يدفعوننا إلى مفارقةِ الحلم
والأشبه بالفؤوسِ يقطعون جذوعَ النهاراتِ القادمة
ويدعوننا نرتجفُ كبحيرة ..
وحيدان تقضمنا الوحشة، ويأكلنا صدأ النسيان
وقبل أن يفوت وقت الريح،
ويتقاسمُ الشَّجر الغياب ..
ويغلقُ الحبُّ نوافذه ..
تعالي نبني جداراً متيناً للحب ..
تعالي نسوِّر هذه الأزهار بسياجٍ من محبة،
ولا ندعهم يبذرونَ في أرحامنا أجنَّة مشوَّهة
تعالي نعيدُ للموجِ بهجة الهدير ..
لن أمنح قبلاتي لشفاهِ الفراغِ أبداً ..
في نهارٍ تتزاحمُ فيه المطارداتُ والاغتيالات والسجون ..
نهارٌ تتداعى فيه قبابُ الفرح
وتتطايرُ خيامُ الحب ..
نهاراتٌ طويلة يخنقونَ فيها أصواتنا قبلَ أن نشرعُ بالغناء
نهاراتٌ ينسفونَ فيها القُبلَ والبيوت
نارٌ تعصفُ بما بنيناهُ من أكواخٍ قديمة للحبّ .
صارت ساحاتُ الأعراسِ مواقع للمدجِّجينَ بالبنادقِ والسكاكين
والصنوج تصدحُ على وقعِ خطاهم
فاتَ وقتُ الريح ..
وأعلنتْ المنارات بدءَ رجوعِ الأشرعة الشاردة.
تعالي نبني بيتاً يليقُ بالحبِّ
يومَ حملتِني على أجنحةِ الحلم،
وكان فرحنا أطول من قامةِ اللوز
ويوم وعدتِني بأن تعيدي لي ما شتَّتتهُ الأيام من
قُبلٍ خضراء
ويوم كنتُ زاهياً كالغيم
ويوم ماتت مُناغاة الطفولة على حدودِ غابات الإبادة ..
ويوم ؟؟
ويوم ؟؟ ..
يوم رميتني بوردة.
التاريخ: الثلاثاء23-3-2021
رقم العدد :1038