الملحق الثقافي: هفاف ميهوب:
ملايينُ السِّنين مرَّت على كوكبنا الأرضيّ، ولم يتعرّض ترابهُ ولا هواؤهُ، للتلوُّثِ كما تعرَّض على يدِ إنسان العصر الحديث.
كان الإنسانُ قبل عصرِ الصناعاتِ الثقيلة، يحترمُ التُّرابَ الذي سيضمُّهُ بين حبّاتهِ يوماً لاريبَ فيه، يُحافظُ عليهِ، ولا يدنِّسهُ بمخلَّفاتِ البترول والنفايات النوويَّة، وغيرها الكثير الكثير من الصِّناعاتِ التي أرهقت التُرابَ والهواءَ على حدٍّ سواء.
ببساطةٌ شديدة، لم يخرج الإنسان عن دائرةِ النظام الطبيعي لدورةِ حياةِ الأرض المحكومة بتعاقبِ الفصول، فعاشَ معها حياةً برِّيةً، لهُ مالها، وعليه ما عليها، وبادلتهُ الاحترام بكثرةِ مائها العذب، وهوائها النقيّ، ورفعتْ له قبّعةَ مدارها الكونيّ.
مع دخول الإنسان مرحلة الاكتشافات الكبيرة، والصناعات الثقيلة، أدخلَ الأرض معه دون إذنٍ منها، فبنى وأنتجَ ما كانَ يعتقد أنه يُصلحُ من حالها، فعاثَ فيها تلوُّثاً إثرَ آخر، حتى غدت على كفِّ تلوُّثٌ نوويّ.
تجاهل قوى الطبيعة الجبَّارة، وقوّة الأرض العظيمة القادرة على تنظيفِ نفسها بنفسها، كما كانت تفعل في الماضي السَّحيق. لكنّها، ومع تزايدِ عبثِ الإنسانِ بها، مضطرَّةٌ لعمليةِ تكثيفِ عمليَّاتِ التنظيف، عبر غضبها شبه اليومي، المتمثِّلِ بالكوارثِ الطبيعية، والفيضاناتِ والعواصفِ التي تُجبر الإنسان على إعادةِ ترتيبِ ركامه العشوائيّ، الذي سببهُ الأذيَّة المعنويَّة والماديَّة، لنقاءِ التُّرابِ وصفاءِ الهواء.
ولا فرقَ بين من يلوِّثُ الأرضَ تلوُّثاً ماديّاً، وبين من يلوِّثها تلوُّثاً معنويَّاً، فالمحتلُّ الذي يحتلُّ أراضي الغير، هو التلوُّث عينه، لكنَّ تنظيف هذا التلوّث يقعُ على عاتقِ صاحب الأرض، فلا الزلازل ولا الكوارث قادرة على إزالةِ هذا التلوّث، مالم تتوافر إرادة المقاومة، والنضال السياسي والعسكري، لطردِ ذاكَ المحتلّ الذي عاثَ في الأرضِ تدنيساً وانتهاكاً وإجراماً.
نعم، إنها إرادة المقاومة التي كان لابدَّ لها من أن تنتفض في وجهِ المحتلِّ الإسرائيلي، ساعيةً لتنظيفِ كلِّ شبرٍ من أوطاننا، من هذا التلوّث القاتل، أخلاقياً وسياسياً واجتماعياً وفكرياً.
mayhoubh@gmail.com
التاريخ: الثلاثاء30-3-2021
رقم العدد :1039