منذ الأزل، اختار الشعب السوري طريق المقاومة والكفاح، لأنه يرفض الاستسلام والخنوع والذل، واجه العديد من الغزوات الاستعمارية، وانتصر بفضل قوة بأسه وإرادته، وقبل 75 عاماً أذل هذا الشعب، المحتل الفرنسي وأرغمه على الخروج صاغراً يجر أذيال الخيبة والهزيمة، فكان جلاء هذا المستعمر نتيجة حتمية لخيار المقاومة، وثمرة نضال طويل على مدار أكثر من 25 عاماً في مقارعة هذا المحتل، واليوم يراكم السوريون انتصاراتهم مجدداً في تصديهم للحرب الإرهابية التي تقودها الولايات المتحدة، وتتصدر فرنسا إلى جانب بريطانيا قائمة الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية التي ترتكب جرائمها نيابة عن الغرب الاستعماري بكل دوله، وترعى تلك التنظيمات، أنظمة إقليمية ومستعربة جندت نفسها لخدمة المشروع الصهيو-أميركي، وعلى رأسها نظام أردوغان، والنظام السعودي، ومشيخة قطر.
مسار الأحداث يثبت أن جلاء المستعمِر الفرنسي ما كان ليتم لولا إصرار السوريين على دحر هذا المستعمر مهما بلغت التضحيات، فجاء الاستقلال تتويجاً لمسيرة كفاح ونضال طويل وشاق بدأه السوريون منذ أن حاول هذا المستعمِر فرض شروطه على سورية عبر ما سمي إنذار غورو في الـ 14 من تموز عام 1920، والذي حمل مطالب لا يمكن القبول بها، بينها تسريح الجيش وقبول الانتداب الفرنسي دون شروط، فتصدى له أبناء شعبنا بما يملكونه من إيمان وعزيمة، واستشهد العديد منهم في معركة غير متكافئة، والتاريخ لا يزال يستحضر معركة ميسلون المحفورة في الذاكرة، وبسالة قائدها وشهيدها وزير الحربية آنذاك يوسف العظمة وبقية أبطالها وشهدائها كعلامة مضيئة في تاريخ سورية والعرب أجمعين، فهي تختصر أسمى معاني التضحية والدفاع عن عزة الوطن وكرامة أهله، فأثبت السوريون أنهم لا يقبلون الذل والهوان ولو كانت حياتهم الثمن لذلك.
منذ اللحظة الأولى لدخول قوات المحتل الفرنسي الغازية، تحولت سورية إلى شعلة متقدة من النضال بفضل رجالاتها الأحرار الذين عقدوا العزم على طرد هذا المحتل، فواجهوه بصدورهم العارية، ولم يهابوا طائرات ومدافع الاحتلال، وإنما ازداد لهيب ثوراتهم الوطنية في الشمال وجبال الساحل وحوران وجبل العرب والزاوية ومنطقة الجزيرة وحماة وغوطتي دمشق، قادها مناضلون شرفاء أمثال سلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وأحمد مريود وفوزي القاوقجي وحسن الخراط وسعيد العاص ومحمود الفاعور وغيرهم الكثير، فقدمت هذه الثورات آلاف الشهداء، وكرست وحدة الدم السوري في مواجهة الاستعمار ومخططاته التقسيمية، لتثبت أن طريق الاستقلال والسيادة والخلاص من الاستعمار لا بد أن يعبّد بدماء الشهداء.
غداة فجر الجلاء، كان الشعب العربي السوري يدرك تماماً أن حماية الاستقلال بكل معانيه السياسية والاقتصادية والثقافية ستكون المهمة الأصعب بعد إنجازه، فكرس أبناء هذا الوطن العظيم طيلة العقود الماضية عقولهم وخبراتهم وكل إمكانيات ومقدرات أرضهم الخيرة، لبناء سورية الحديثة المستقلة، فغدت قلعة منيعة بلحمتها الوطنية، وقوة جيشها الباسل وقدسيته لتراب هذا الوطن، وكان ذلك سبباً مباشراً في توالي المؤامرات على سورية وشعبها، لحرفها عن مبادئها وثوابتها الوطنية والقومية، والحرب الإرهابية الشرسة التي يقودها الغرب الاستعماري اليوم، هي الدليل والبرهان على مدى الحقد الدفين لأميركا وأتباعها الأوروبيين وأجرائها المتصهينين تجاه السوريين لوقوفهم صفاً واحداً في وجه المخططات التقسيمية التي تحاك لبلدهم وللمنطقة أجمع.
الشعب السوري الذي اختار طريق المقاومة، وأنجز استقلاله بفضل نضال وتضحيات أبنائه بمختلف شرائحهم وانتماءاتهم، يؤكد اليوم أنه أكثر صلابة وقوة وعزيمة من أجل الذود عن حياض وطنه، والتصدي للإرهاب الوهابي التكفيري وداعميه، ورجال الجيش العربي السوري الأبطال يجسدون بتضحياتهم اليوم أروع ملاحم البطولة والفداء، ويرسمون بانتصاراتهم ضد الإرهاب ورعاته، ملامح غد مشرق يليق بكبرياء سورية وعزتها وشموخها، مستمدين قوتهم من تضحيات الأجداد الذين حافظوا بدمائهم الطاهرة على وحدة واستقلال بلدهم، وكلهم إيمان بأن الانتصار هو الخيار الوحيد ليبقى وطنهم حراً ومستقلاً.
نبض الحدث- بقلم أمين التحرير ناصر منذر