الثورة أون لاين – سامر البوظة:
السابع عشر من نيسان يوم مقدس لسورية ولكل السوريين, إنه ذكرى الاستقلال وجلاء آخر جندي فرنسي محتل عن أرض الوطن بعد نضال طويل استمر لأكثر من ربع قرن تَوَّجَهُ شعبنا بالنصر على المحتل في معركة الحرية والكرامة والسيادة, وسطر فيها ملحمة تاريخية من النضال والمقاومة ستبقى رمزاً ومنارة ساطعة للأجيال لمتابعة المسيرة التي خطها أجدادنا حتى تحرير كل شبر من تراب هذه الأرض المباركة من رجس كل إرهابي ومحتل, وتحقيق الجلاء الأكبر باستعادة الأراضي المحتلة كافة وعلى رأسها الجولان الحبيب.
ففي مثل هذا اليوم من عام 1946رحل المستعمر الفرنسي ونالت سورية استقلالها بعد أن دفعت أثماناً باهظة من أرواح أبنائها البررة الذين رفضوا الظلم والقهر وبذلوا الغالي والنفيس في الذود عن بلدهم ودفاعاً عن حريتهم وكرامتهم, هذا التاريخ الذي لن ينساه العدو الفرنسي وسيبقى محفوراً بذاكرتهم إلى الأبد, ذلك اليوم الذي خرجوا منه من أرض سورية مذلولين مدحورين يجرون أذيال الخيبة والعار وراءهم.
ولكن يبدو أن أعداء الأمس لم يتعلموا من دروس الماضي, فالتاريخ يعيد نفسه, وأعداء الأمس هم نفسهم أعداء اليوم, فها هي الحكومة الفرنسية الحالية التي تستمر في سياساتها العدائية تجاه الشعب السوري وتستميت في محاولاتها اليائسة للعودة إلى ماضيها الاستعماري البغيض لكن بأشكال جديدة عبر ما قدمته وتقدمه من دعم مالي وعسكري وإعلامي وسياسي للعصابات الإرهابية المرتزقة, أو من خلال التحريض الذي تمارسه عبر المنصات الدولية والدور الرئيسي الذي تلعبه في المؤامرة التي استهدفت سورية ووجودها ودورها القومي والوطني المقاوم, أما العثمانيون الجدد في تركيا بزعامة الإرهابي رجب أردوغان فهم ليسوا بأحسن حال من شركائهم الفرنسيين فهم يقومون بنفس الدور القذر الذي يلعبونه سوية بالاشتراك والتنسيق مع البلاء الأعظم لهذه المنطقة والعالم أجمع, وهو الكيان الإسرائيلي الغاصب ومن خلفه الراعي الأول للإرهاب في العالم والداعم الأساسي له الولايات المتحدة الأميركية وأذيالها من الدول الغربية.
ومع استحضار عظمة هذه المناسبة نجد أننا اليوم بأمس الحاجة لتمثل قيم الجلاء ومعانيه واستخلاص العبر والدروس من البطولات والتضحيات التي قدمها أجدادنا في ظل ما نواجهه ونتعرض له مجدداً من مخططات تقسيم وتمزيق ومشاريع رجعية استعمارية تستهدف وطننا وشعبنا الذي قدم ولا يزال يقدم للعالم أمثلة في العزة والمقاومة والتضحية من خلال صموده الأسطوري وإيمانه بوطنه وتمسكه بثوابته وبوحدته الوطنية, وتلاحمه خلف قيادته وجيشه الباسل الذي سطر أروع البطولات في حربه المقدسة ضد الإرهاب والإرهابيين وطرد الغرباء عن أرض الوطن الغالي, وهو ما ساهم بشكل كبير في إحباط كل المخططات الاستعمارية التي كانت ولا تزال تستهدف النيل من وحدة أرضنا وصمود شعبنا, وهذا ليس غريباً عن الشعب السوري الذي برهن من جديد أنه قادر على إفشال وإسقاط مخططات التآمر الإمبريالي الصهيوني الرجعي الذي تتعدد أوجهه ويتسع عدد المشاركين فيه من أنظمة رجعية عربية وإقليمية ودولية.
لقد أثبت الشعب السوري عبر التاريخ أنه شعب حر شعب مقاوم عنيد لا يستسلم ولا يرضى الذل والهوان, ومنذ تحقيقه الاستقلال يتمسك هذا الشعب بثوابته الوطنية وبتلاحمه الوطني، وبرفضه الظلم والعدوان وكل أشكال التدخل الخارجي والاستقواء بالأجنبي, فسيادة الدولة لديه مقدسة، وهو اليوم يثبت بصموده من جديد أن قيم الجلاء الذي تحقق قبل 75 عاماً ما زالت راسخة في ضميره ووجدانه وفي صميم المجتمع السوري, وأن حب الوطن والإيمان به والتضحية في سبيله باتت علامات فارقة تميز هذا الشعب الرابض على تاريخ عريق يستمد منه القوة والعزيمة والإباء, وهو اليوم إذ يؤكد من جديد مواصلة مسيرة النضال والسير على نفس النهج الذي سار عليه الأجداد خلف الجيش العربي السوري البطل والقيادة الحكيمة للسيد الرئيس بشار الأسد حتى تحقيق الجلاء الأكبر وطرد كل غاز محتل عن أرض وطننا الغالي, كيف لا وهم أحفاد يوسف العظمة وسلطان باشا الأطرش والشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وحسن الخراط وأحمد مريود ومحمد الأشمر, وغيرهم الكثير من الثوار الأبطال الذين سطروا بدمائهم وبطولاتهم ملاحم العز والفخار وأعطوا دروساً للعالم في الشجاعة والتضحية والإباء وحب الوطن.
إن ذكرى الجلاء محطة بارزة ومضيئة في تاريخ سورية والأمة العربية جمعاء, ومأثرة تتجدد في نفوس شعبنا الأبي, وفي رحابها يعيش يقيناً أكيداً بالنصر, فالجلاء الذي أنجزته وصنعته بطولات وتضحيات أبناء هذا الشعب العظيم بكافة فئاته ومكوناته كان ولا يزال يشكل بمضامينه ودلالاته البطولية دروساً في الفداء والتضحية والتمسك بالأرض والمبادئ والحقوق والدفاع عنها, وسيظل مبعثاً للروح الوطنية ونبراساً يضيء في وجدان كل السوريين والأحرار في العالم.