كثيراً ما يعاني أصحاب الإبداع من موسيقيين، ومؤلفين، وكتّاب سيناريو، ورسامين من صعوبة نشر أعمالهم الإبداعية، وانتشارها بين جمهورها من المهتمين.. ومهنة (الوكيل الأدبي) الذي يذلل تلك الصعوبات منتشرة في العالم الغربي لدرجة أنها تحجب معها الاتصال المباشر بين الكاتب مثلاً ودار النشر، فلا قنوات مباشرة بين الطرفين إلا من خلال وكيل يعتمده الناشر، ويتصل به المؤلف.. بينما تغيب هذه المهنة تماماً عن عالمنا العربي، ولعل هذا من الأسباب التي ترافق المشاكل التي تنشأ أحياناً بين صاحب المنتج الإبداعي والجهة المسؤولة عن إخراج منتجه إلى النور سواء في مجال الفن، أو الأدب.
ومادامت قنوات الإبداع قد تفرَّعت، وتنوعت في وقتنا الحاضر فإن الوصول إلى الجهات المسؤولة عن النشر، رغم أنها لم تعد صعبة بسبب التواصل الإلكتروني إلا أنها أصبحت بحاجة إلى عملية تنظيم، وتدقيق، وحفظٍ للحقوق التي تتعلق بالطرفين معاً منعاً لتشابكها، وخسارة أحد الطرفين على حساب الآخر.. فالمبدع في أغلب الأحيان لا يجيد التعامل كما ينبغي مع لغة الأرقام، أو مع قنوات الإعلان والإعلام ليصل بإبداعه حيث يتمنى ويريد.
ولو عدنا إلى حالة المؤلف وكتابه لوجدنا أن الخطوة الأهم ليست في نشر الكتاب من قِبل ناشر معترف به بقدر ما هي في توزيع الكتاب وانتشاره والدعاية له والترويج، بما في ذلك التقدم للجوائز الأدبية، أو تحويل هذه الأعمال إلى التلفزيون، أو السينما.. كل هذا هو من مهمة (الوكيل الأدبي) الذي يختص بوصل القنوات بين المبدع والجهات التي تتبنى الإبداع.. ومقابل تلك الخدمات المتعددة التي يقدمها لابد أن تكون له نسبة محددة من المستحقات المالية التي تصل إلى صاحب المنتج الإبداعي.
ومن الوكلاء الأدبيين مَنْ يذيع صيته، ويشتهر ليصبح مجرد الوصول إليه مطلباً، واقتناعه بالمنتج الذي يُعرض عليه مطمحاً، وما يلي ذلك هو مؤشر لعملية نشر ناجحة ستحظى بكل ما يلزم لها.
والوكيل لا يقتصر على الناشر، أو جهة الإنتاج فقط بل إن أغلب مشاهير الكتّاب في الدول المتقدمة لهم على طريقة مشاهير الطرب، والغناء لدينا، وكلاء يختصون بمؤلفاتهم لأنهم يعرفون جيداً مَنْ هي الجهات التي ستقوم بأفضل عملية نشر، وتسويق. والوكلاء في الوقت ذاته لا يترددون بمبادرة الاتصال بتلك الأسماء المعروفة في مجالها ليعرضوا خدماتهم الخاصة في التسويق، والترويج بما يسهم في انتعاش إبداعات هؤلاء المؤلفين الذين أصبحوا من المشاهير، ومما يحفزهم بالتالي لمزيد من الإنتاج، والإبداع.. ولهذا السبب أيضاً يستطيع الكاتب في تلك الدول أن يعيش من مردود إنتاجه الأدبي، وأن يتفرغ للتأليف فقط بعيداً عن أي مهنة أخرى ليصبح التأليف عملاً له مردوده المجزي.. وقد يكفي له رواج كتاب واحد يدخل في قائمة الأكثر مبيعاً ليحصل على عائد مالي يغطي احتياجاته.
إنها مهنة تحظى بكثير من التقدير، وعلى جانب من الأهمية خاصة إذا ما كان الوكيل مجتهداً، وناجحاً في مهنتة، ومهمته تجاه مَنْ أوكله بنشر إبداعه الأدبي، أو الفني على حدٍ سواء.. وهو مفتاح الانطلاق إلى العالمية عندما يقوم بوصل قنوات الترجمة إلى لغات أخرى، أو العمل على تحويل النص إلى عمل مرئي، أو الاتصال مع جهات عالمية.
ومن الملاحظ أيضاً أن وصول بعض الكتّاب العرب إلى العالمية بعد عشرات السنين من الاعتراف بأهمية ما يكتبون لم يكن من جهود الغير، وإنما بجهد الكاتب شخصياً الذي لا يتردد في أن يسوِّق لنفسه فيما إذا كان يجيد لعبة التسويق، ويعرف منافذها.. وقد يقوم الكاتب بترجمة عمله الأدبي من حسابه الشخصي ليطرحه في سوق الأعمال المترجمة لدى الناشر الأجنبي منتظراً لضربة حظ قد تصيب، وقد تخيب.
ولعل عزوف كثير من الناس في بلداننا عن اقتناء الكتاب، أو أنه ليس من الأولويات ما أدى إلى غياب هذه المهنة عن أفق النشر.. والمبدع عموماً مهما بلغ من الشهرة، وذيوع الصيت يظل يحلم بالتقارب بينه وبين جمهوره، لأن هذا التواصل يظل نبضاً لحروفه.
وربما من أجيال المؤلفين الجدد الذين أصبحوا بفضل واقع التواصل مع الثقافات الأخرى يجيدون التعبير عن أنفسهم، مَنْ هم أكثر مَنْ يحتاج لهذا (الوكيل الأدبي) ليُعرِّف بهم، ويضع خطواتهم على الطريق الصحيحة في مجالات النشر، والانتشار.. فهل ستكون خطواتهم الخجولة في عالم الرسم بالكلمات سبباً كافياً ليلتفت الناشر والكاتب العربي إلى ضرورة المطالبة باستحداث مهنة (الوكيل الأدبي) في عالمنا العربي؟ ولاسيما أن سوق الكتاب في الانتشار والتوزيع تنفتح واسعاً من خلال معارض الكتب بين بلداننا، إذ إن ثقافاتنا تكاد تكون واحدة في ظل لغة واحدة تجمعنا، أقول ربما.. أو لعل هذه المطالبة تلقى استجابة من المعنيين بها.
* * *
(إضاءات) ـ لينــــــــا كيـــــــــلاني