ارتدادات فشل المشروع الصهيو-أميركي في المنطقة، تبدو أكثر وضوحاً في ظل مشهد الأحداث الراهنة، حيث تقف إدارة بايدن على مفترق طرق من الخيارات المؤلمة لنهج السياسات الأميركية، وكذلك تجد حكومة العدو الصهيوني نفسها في دوامة العجز والإفلاس لجهة مواصلة الاستثمار بتركة ترامب الخاصة بـ” صفقة القرن” المشؤومة، ولعل انتفاضة القدس، وما تحمله من دلالات سياسية، ستفرض معادلات جديدة تؤكد صوابية خيار محور المقاومة ككل، والذي ما زال يشكل العائق الوحيد أمام تنفيذ مشروع تصفية الوجود الفلسطيني.
انتفاضة القدس، يرجح أن تفجر انتفاضة فلسطينية شاملة تضع العدو أمام مشهد أمني يزلزل كيانه، وهي جاءت خلافاً لحسابات نتنياهو الحزبية والانتخابية، حيث يسعى من وراء إجراءاته التصعيدية بحق المقدسيين لكسب اليمين المتطرف، بعد فشله بتشكيل الحكومة، ولكن هذه الانتفاضة سرعان ما وحدت مختلف الفصائل الفلسطينية في جبهة واحدة بعيداً عن الانقسام السياسي، وجاء رد المقاومة الصاروخي من غزة، ليؤكد مجدداً أن الفلسطينيين على مختلف انتماءاتهم السياسية والحزبية يقفون صفاً واحداً ضد سياسات الاحتلال والتهويد والاستيطان، وباتوا أكثر إدراكاً أن العدو الصهيوني لا يفهم سوى لغة القوة، وأن المقاومة هي الخيار الأنجع لاسترداد الحقوق، بعدما أثبتت سلسلة المفاوضات العبثية مع هذا العدو عقمها وفشلها خلال العقود الماضية.
نتنياهو ما زال يراهن على استغلال حالة الفوضى التي تنوء بثقلها دول المنطقة من جراء الحرب الإرهابية على سورية، لتمرير ” صفقة القرن”، وتجريد مدينة القدس، وكل المدن الفلسطينية من هويتها العربية، ولكن مواصلته اللعب بالنار توشك على حرق ما تبقى من مشاريعه الاحتلالية، وتضع أمن كيانه على صفيح ساخن، ولاسيما أن حكومة العدو تعيش الآن أزمة متفاقمة على المستوى السياسي والأمني، والجبهة الداخلية لهذا العدو ينخرها الضعف والارتباك والخوف من أي مواجهة عسكرية قد تفرضها حماقات نتنياهو، وتوسيع العدوان باتجاه غزة لن يكون من دون تبعات خطيرة تقوض أمن مستوطنيه، وتخلخل أركان حكومته، وهي الأعلم بمدى تآكل قبتها الحديدية، ووهنها أمام صواريخ المقاومة.
انتفاضة القدس تستمد قوتها وزخمها اليوم من الإنجازات المتراكمة لمحور المقاومة في المنطقة، والتي لا تزال تربك حسابات الإدارة الأميركية، حيث الخيارات تضيق أمام بايدن، فهو معني بالحفاظ على إرث ترامب لجهة استكمال خطوات “صفقة القرن”، ولكنه يصطدم بواقع فشل سياسته العدوانية تجاه سورية وإيران وقوى المقاومة في لبنان والعراق واليمن وفلسطين، ولن يكون بمقدوره بث الروح مجدداً في تلك ” الصفقة” التي ولدت ميتة، ولاسيما أن مسار التطبيع المجاني أثبت عجزه الكامل عن منح الكيان الصهيوني شرعية وجوده الاحتلالي، ولذلك من المرجح أن يوجه -مرغماً- النصح لنتنياهو بالتوقف عن التصعيد، لإدراكه بأن موازين القوى في المنطقة تتغير لمصلحة محور المقاومة، وأن أي حماقة جديدة، ستكون ارتداداتها أشد إيلاماً على أمن الكيان الصهيوني.
نبض الحدث – بقلم أمين التحرير ناصر منذر