كان تعطيل دور مؤسسات الدولة السورية أحد أهداف الحرب عليها سواء البرلمان أم الدستور أم موقع الرئاسة أو الإدارة المحلية بحيث تصبح الدولة السورية هيكلاً من دون أعمدة، وقد ركز خطاب المؤامرة على عدم شرعية المؤسسات أو التشويش عليها بذريعة أنها ليست نتاج عملية ديمقراطية حرة، أو أن الناخبين السوريين مجبرون على خياراتهم، وهذا يشكل من وجهة نظرنا محاولة إهانة لإرادة ذلك الشعب الذي عرف الحياة الديمقراطية قبل الكثير من الدول الأوروبية ومنذ مطلع القرن التاسع عشر عبر انتخاب المؤتمر السوري 1919وما أعقبه من خيارات ديمقراطية مارسها السوريون سواء انتخابات رئاسة الجمهورية أم الاستفتاء على أكثر من دستور للبلاد في ظل الاحتلال الفرنسي، أم البرلمانات التي تشكلت قبل وما بعد الاستقلال، مع الإشارة إلى أن المرأة السورية شاركت في الانتخابات منذ أكثر من سبعين عاماً وتقدمت بذلك حتى على بعض الدول الأوربية ذات التاريخ العريق في الممارسة الديمقراطية وتواترت العملية الديمقراطية في سورية بشكل انسيابي ومنضبط ودوري منذ انتقال النظام السياسي في سورية من الشرعية الثورية التي وسمته بعد ثورة الثامن من آذار، وصولاً للشرعية الدستورية عام 1970 حيث صدر بعد ذلك دستور سوري جديد تم الاستفتاء عليه ونص على شروط الترشح لموقع الرئاسة وكذلك انتخاب مجلس للشعب ونظام للإدارة المحلية واستمر العمل بذلك الدستور حتى عام 2012، حيث استفتي السوريون على دستور جديد ما زال نافذاً حتى تاريخه.
ولاشك أن دستور أي دولة هو أحد مظاهر السيادة فيها، فيفترض أن يكون منتجاً وطنياً بامتياز دون أي تدخل خارجي لأنه تعبير عن عقد اجتماعي ارتضته جماعة سياسية ليكون العنوان الوطني لها، وأحد مظاهر الممارسة الديمقراطية النظيفة غير المشوبة بأي مؤثر خارجي، لأن في ذلك انتهاكاً لمبدأ السيادة، ناهيك عن أن الشعب -أي شعب- هو المصدر الوحيد لشرعية أي سلطة وهذا مبدأ مقر في القانون الدولي ومكرس في الفقه الحقوقي منذ الثورة الفرنسية عام 1789وآباؤها الحقوقيون كجان جاك روسو ومونتسكيو وبودان وغيرهم، ومن هنا كان تغيير الدساتير أو تعديلها يرتبط إما بتطور النظام السياسي أو تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بمعنى أنه يستجيب لحاجات وضرورات ومصالح وطنية لا لإرادة أو رغبة أو تدخل خارجي، لأن تغيير الدستور ربما يعني بالمحصلة تغيير هيكلية وبنية وهوية النظام السياسي بالكامل، وهذا ما يفسر السعي المحموم للقوى الخارجية بوضع مشروع دستور لسورية عبر لجنة مناقشة الدستور يكون بفائض قوة الخارج لا بفائض قوة الداخل، ما يعني انتهاك روح الدستور ومضمونه بوصفه تعبيراً عن إرادة وطنية حرة ونزيهة ونظيفة.
إن فشل القوى الخارجية في فرض دستور على الشعب السوري عبر الضغط ومحاولات الابتزاز بكل أشكاله وتمسك القيادة السورية بأن الدستور شأن سيادي حصري لا مساومة عليه بل هو من الثوابت الوطنية وهو انتصار للإرادة الوطنية السورية على ما عداها من قوى خارجية عملت على مصادرة الإرادة السياسية للدولة السورية، ومع الفشل الذريع في تحقيق ذلك لجأت تلك القوى للتشويش على الانتخابات الرئاسية التي ستجري في السادس والعشرين من أيار الجاري، والتشكيك في نزاهتها حتى قبل أن تبدأ لقناعتهم بأنها لن تنتج إلا حالة وطنية لا تستجيب لمصالحهم ورغباتهم ودفتر شروطهم، ما يعني بقاء السياسة السورية على ثوابتها منذ بداية الأحداث والحرب على سورية منذ عشر سنوات والمتمثلة في عدم الاستجابة للإرادة الخارجية في فرض نظام سياسي أو حكومة تلعب القوى الخارجية دوراً في تشكيلها وهويتها ومواجهة الإرهاب وهزيمته واستعادة السيادة على كافة أرجاء الجغرافية السورية والتمسك بوحدة البلاد ونظامها السياسي المركزي، وإعادة البناء الجديد للدولة والمجتمع والإصرار على استعادة الأراضي العربية المحتلة وفي مقدمتها الجولان العربي السوري وأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للسوريين شعباً وقيادة، والحرص على الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع محور المقاومة وجمهورية روسيا الاتحادية، ولعل ما تمت الإشارة إلية من عناوين هو بعض ما يستدعي تأكيد الخيار الوطني المتمثل باختيار الرئيس الذي يمثل تلك التأكيدات، لأن في ذلك تأكيد على تلك الثوابت التي نتمسك بها وندافع عنها تعزيزاً للموقف السوري في مواجهة التحديات الراهنة ولاسيما المسار السياسي والحرب الاقتصادية على الشعب السوري وصيانة القرار الوطني المستقل، وتعزيز عناصر الصمود التي واجهنا من خلالها تلك الحرب الشرسة، ما يعني أن سورية ستكون بعد ذلك الاستحقاق وخلاصاته الأقوى في فرض رؤيتها واجتراحها لأية حلول تطرح، ما يعني سقوط أهم ورقة راهنت عليها القوى الخارجية بعد ورقة الإرهاب وأذرعه وهي ورقة الداخل والالتفاف الوطني حول قيادة سياسية تميزت بالشجاعة والثبات والصمود المؤدي بالنتيجة للانتصار النهائي وصولاً لطي ملف الحرب على سورية الوطن والمواطن والهوية.
إضاءات- د. خلف المفتاح