ما بين ما يحصل من عداء ضد سورية وبين العدوان الصهيوني على غزة والقدس والأراضي الفلسطينية علاقة واحدة وعدو واحد يأخذ أشكالاً مختلفة، لكنه من حيث الجوهر يأتي من مصدر واحد.
فبعد أسبوع من العدوان الوحشي على امتداد قطاع غزة، ومع الاعتداءات المتكررة والمستمرة على أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة ومحاولة تشريد أهله ونزع ملكيتهم وطردهم من بيوتهم ، نرى المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي لا يحرك ساكناً بانتظار الإشارة الصادرة من البيت الأبيض الأميركي، وكأن استشهاد ما يقرب من مئتي مواطن بينهم عشرات الأطفال لا يكفي لتحريك مجلس الأمن في استهانة مؤكدة بقيمة الدم العربي وفي ظل تجاهل كامل لحقوق الفلسطينيين، وهو الأمر الواقع والطريقة التي اعتاد الأميركيون والصهاينة والغرب الأوروبي الاستعماري على سلوكها على مدى السنوات الماضية من الصراع العربي الصهيوني.
وبالمقابل فإن كلّ ما يتعلق بالحدث السوري لا يختلف من حيث الجوهر عن هذا العدوان الوحشي على أهلنا في فلسطين، فأدوات العدوان الإرهابية هي أدوات مصنوعة بترتيب أميركي ومباركة من الجانب الصهيوني لتستمر بعدوانها ضد سورية كونها صاحبة الموقف الذي لم يتغير يوماً من القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب الأساسية وأن الصراع العربي الصهيوني هو صراع وجود لا يكون حلّه عبر أكاذيب وتبريرات ومفاوضات تتعلق بحدود ونقاط تمركز وترتيبات أمنية متبادلة.
وهكذا يمكن فهم العدوان المستمر ضد سورية واتخاذ ذرائع كاذبة وخارجة عن كلّ مفاهيم القانون الدولي للتدخل في الشؤون الداخلية لسورية، وخاصة ما يتعلق منها بالاستحقاقات الدستورية وخاصة الانتخابات الرئاسية التي تعيش سورية تفاصيلها في الوقت الحالي، وهي ترى كإجراء روتيني يتم في توقيته والزمن الذي يحدده الدستور، فما الذي يدفع الغرب الاستعماري في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لمناصبة السوريين العداء ومحاولة تعطيل الحالة الدستورية التي يقرّها ويدعمها ويريدها الشعب السوري؟.
هذا الأمر لا تختلف دوافعه والأسباب التي تقف خلفه في كلتا الحالتين عن بعضهما، فمن يعادي الفلسطينيين ويحرمهم حقوقهم، هو نفسه من يقود العدوان ضد كلّ من يقف إلى جانب فلسطين وحقوق الفلسطينيين ويدافع عنهم ومن ساهم إلى جانب الفلسطينيين في نضالهم ضد الصهيونية وقدّم الشهداء على امتداد قرنٍ كاملٍ، قبل النكبة وبعدها.
إن نظرة متعمقة في الساحة الإقليمية، وإجراء مراجعة لتطور المواقف الدولية على امتداد القرن العشرين والسنوات الماضية من القرن الحالي تظهر بوضوح حقيقة وطبيعة الموقف الأميركي الصهيوني -الأوروبي من الوطن العربي، فهذا الموقف لا يقوم إلا على العداء، وهو يعمل على إضعاف هذا الوطن العربي الكبير دوماً بمختلف الوسائل المتاحة ، ويشهد تاريخ الصراع الطويل على ذلك العداء، وهو اليوم يوزع الأدوار ما بين منطقة وأخرى، ففي حين استمر التركيز دوماً على الأرض الفلسطينية دوماً، فإنه توزع على المناطق والدول العربية وفق الظروف والمعطيات في كلّ مرحلة، وما أكذوبة الربيع العربي المزعوم إلا واحدة من تلك الحروب والاعتداءات ذات الأشكال المبتكرة في صياغة سيناريوهات الصراع والمواجهة المستندة إلى أكاذيب وروايات مختلقة ومبادىء متوهمة، وإلا فما الذي يدفع سلطات الاحتلال لتهجير مواطنين فلسطينيين من بيوتهم لإقامة مستوطنات جديدة غير الرغبة الكبيرة في استئصال هؤلاء الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، وفي سبيل ذلك يتم توظيف كلّ السياسات الغربية لخدمة هذا الهدف، ولأن الموقف السوري كان دوماً وأبداً إلى جانب الحق الفلسطيني، بل كان جزءاً أساسياً منه باستمرار، فإن السوريين يواجهون ذات الحالة من العداء الصهيوني والأميركي، ظناً منهم أن تلك الاعتداءات، وذلك الضغط الكبير يمكن أن يغير أو يؤثر في حقيقة الصراع، فيأتي الرد سريعاً وقوياً وواضحاً ومحدداً، فالشعب الذي واجه الغرب وكلّ آليات عدوانه على مدى أكثر من عشر سنوات وهو اليوم يفرض إرادته في إدارة بلده، هو نفسه ذلك الشعب الذي يستعيد اليوم أيام النكبة مؤكداً تمسكه بحقه التاريخي والمشروع بأرضه كاملة، وهو لم يتخل عنها يوماً وأن سنوات العدوان الطويلة لم تمت القضية ولم تجعل الجيل الجديد يتنازل عن حقوق أجداده السليبة.
معاً على الطريق- مصطفى المقداد