ما جرى داخل البيت الجمركي لم يكن بالأمر الهين أو السهل كما يعتقد البعض .. ما جرى تخطى بأشواط جداول التنقلات، وقرارات الإعفاءات، وكتب إنهاء خدمات عدد من المديرين والأمناء والمراقبين والخفراء .. ما جرى يمكن وصفه “بالمختصر المفيد” بالخطوة الذهبية على طريق التطبيق الجدي والحقيقي لبرنامج الإصلاح الإداري، ومكافحة الفساد المالي والترهل الإداري.
الهزات الارتدادية لجملة القرارات “الاستثنائية وغير المسبوقة كما يصفها البعض داخل وخارج البيت الجمركي” التي حملت توقيع رئيس مجلس الوزراء ووزير المالية، مازال صداها يتردد، لكونها تخطت عتبة إعادة ترتيب البيت الجمركي الداخلي، إلى مرحلة التغيير الجذري وشبه الشامل الذي طال العشرات في أكثر المواقع الجمركية أهمية وحساسية من الجانب الاقتصادي.
لن ننصب أنفسنا محامي إدعاء “اتهام” ولا حتى دفاع، ولن نجرم أحد أو نعلن براءة أحد، ولن نعتمد أسلوب الاصطياد في الماء العكر، لكننا سنوجه بوصلة حديثنا باتجاه قادمات الأيام والمرحلة الجديدة التي ستقود الإدارة الجديدة دفتها، بعيداً عن تقاذف المسؤوليات وتراشق الاتهامات، ونزع عباءة المهاترات والقيل والقال، وفتح صفحة جديدة عنوانها العمل .. والأمل بالمكافحة .. والأمل بوقف التهريب .. ووضع حدّ نهائي وجذري لحالة النزيف الحاد التي تتعرض لها خزينتنا العامة للدولة نتيجة الواردات غير الهينة التي تفوتها يوماً .. نعم يومياً إن لم تكن ساعياً.
باختصار .. حسناً فعلت وزارة المالية عندما لم تذهب بخياراتها البديلة وترشيحاتها المستقبلية إلى خارج أسوار المديرية العامة للجمارك “كردة فعل غالباً ما يلجأ إليها الكثيرون”، وانتقت إدارتها من الطاقم الجمركي نفسه “باعتبار أن أهل مكة أدرى بشعاب مدينتهم” للعمل وفق رؤى إستراتيجية متكاملة، وفريق عمل واحد، وعلى قلب رجل واحد، طبعاً بعد طي صفحة المزاجية والمصلحية التي لم يكون عائدها إلا إهمالاً وفساداً ومحسوبيات وصفقات مشبوهة، وأشخاصاً يستفيدون، وآخرين يسترزقون ويسرقون، وكله على حساب المصلحة العامة، والخزينة العامة، ورصيد الاقتصاد الوطني، وثقة المواطن الذي بات اليوم بأمس الحاجة لمن يقول له بورك يراعك.
الكنز – عامر ياغي