ينسرب العمر كأنه لحظات عبرت ويترك الزمن حروفه على دفاتر الجسد ويسكب الكثير من خفاياه على الروح فتصدأ أو تورق..
في معادلة العمر ثمة ناتج لا بد أن يحدث تلك الندوب ولمسات الحنان على الوجه وبقايا الجسد.. يدان من قدس الأرض تعملان لابد أنهما سوف تتشققان ويخشن الملمس.. وكم رأيت يدي أبي وقد بدت عروق الورد فيهما ..
لم أره لحظة إلا وقفزت أمامي بيادر القمح والذرة والزيتون والتين واللوز.. بل أقول كلما جلست وإياه كانت يداه شجر الخوخ والتفاح.. هذه شجرة مباركة أحضرها من لبنان وتلك كانت غرسة صغيرة فاعتنى بها..
ولن أنسى أننا في حزيران كنا نحرث الزيتون حين انتزع المحراث (خِلفاً) من الشجرة .. نظر إلي أبي وقال: بسرعة إلى النبع (عين الباغا) اسمه وأظنه تحريفاً لكلمة الأغا..
أحضرت ماء.. حفر لخلف الزيتون حفرة وزرعه قلت له: نحن بالصيف …لن .. ابتسم وقال: ثق بما تعمل … ترعاه (الخلف) بالسقاية المستمرة وها هو شجرة زيتون كبيرة.
أتذكر السواعد السمر التي كنت أراها.. وهي يوم تلو الآخر تغدو صفحة لمدونة الزمن..
وقد يسأل أحد ما: وما مناسبة هذا؟.
ربما الأمر استحضار لقيمة العمل وبالوقت نفسه أن نقرأ ما يخطه الزمن على الجباه بروح الحب والحنان أن نتصالح مع ما نحن فيه.. اللحظة الأجمل هي التي انت فيها الآن، كنت شاباً.. كهلاً عجوزاً.. كيفما كنت أنت الآن الأنثى والأجمل.. وشم الزمن على جبينك وجهك يديك صوتك.. رجفة يديك.. هو اللوحة والهوية.
من هنا أقرأ ما قالته فنانة عالمية : “أبداً لن أسمح لأحد بإزالة تجاعيد جبيني فهم نتيجة دهشتي أمام جمال الحياة، أو تلك المحيطه بفمي لأنهم يظهرون كم ضحكت وكم قبلت، ولا حتى البقع السوداء تحت عيوني، فخلفهم تختبئ ذكريات أحزاني وبكائي . إنهم جزء مني وأحب جمالهم… سأبقي ملامحي لأنها دلالة على تجاربي في الحياة”.
الممثلة ميريل ستريب لم تجانب الحقيقة أبداً وكم تجعلنا نبتعد قليلاً عن حسرات الشاعر الذي قال: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب.
وفي قصص العرب أن عجوزاً كان يمشي رويداً رويداً مقوس الظهر.. نظر إليه فتى فأراد أن يسخر منه وقال: ما هذا القوس.. رد العجوز.. إنه صنع الزمن وامل أن تصل إليه فالزمن مبدعه ..
اليوم في قراءة حبر الزمن على دفاتر الجباه ثمة خطوط محيت عبث بها من ظن أنها.. هي وشم وهوية ونبض باق.. جباه المتجذرين بالأرض جباه من غرس وزرع واعطى..
يدا أبي أبيك آبائكم جباه أمهاتنا دفاتر الخصب فلنحسن القراءة ولتبقى البساتين بهية تشع من على كل جبين وتبع حياة من كل أخدود .
معا على الطريق .. ديب علي حسن