الثورة أون لاين – ترجمة ميساء وسوف:
في اجتماعاته مع مجموعة الدول السبع وحلفاء منظمة حلف شمال الأطلسي في أوروبا الأسبوع الماضي، لم يفوت الرئيس الأمريكي جو بايدن أي فرصة لتكرار تأكيده على أن “أمريكا عادت” إلى المسرح العالمي وأنها على استعداد لأخذ زمام المبادرة في معالجة المشاكل الكبيرة مثل التغير المناخي، والأمن السيبراني وتوزيع لقاحات فيروس كورونا على الدول منخفضة ومتوسطة الدخل.
حيث دعا بايدن زعماء الدول الكبرى للسعي من أجل خطة لإنشاء صندوق بنية تحتية عالمي، يُطلق عليه اسم “شراكة بناء عالم أفضل”، في محاولة منه لتحدي مبادرة الحزام والطريق الصينية التي بدأت منذ ثماني سنوات (BRI).
وقد وصف بايدن هذه الخطة بأنها “أكثر إنصافاً” من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وأنها “لن تكون مفيدة لبلداننا فحسب، بل مفيدة للعالم بأسره “.
وبعد أربع سنوات من إدارة ترامب التي مزقت الاتفاقات وداست الأعراف وأثارت عداء الحلفاء القدامى، تم الترحيب بكلمات بايدن هذه بحرارة، لكن بالنسبة للكثيرين تبدو الوعود جوفاء، كما يقول خبراء مثل هانز كونداني، زميل باحث في البرنامج الأوروبي في تشاتام هاوس، وهو مركز أبحاث للشؤون الدولية مقره لندن.
وقال كونداني إنه حتى مع إدراكهم أن التعاون الدولي ضروري لحل المشكلات العالمية “لا يرى الأوروبيون الولايات المتحدة كشريك ثابت وموثوق به”.
وأضاف: “بشكل عام، أود أن أقول إن هناك الكثير من الشكوك حول فكرة أن “أمريكا عادت”، فهناك شعور بين الأوروبيين أنه ربما يتم انتخاب رئيس ترامبي آخر في غضون أربع سنوات.
قالت باربرا بودين، السفيرة الأمريكية السابقة في اليمن والمخضرمة في السلك الدبلوماسي الأمريكي: “إن مسألة موثوقية الولايات المتحدة ستكون تحدياً كبيراً لإدارة بايدن”.
“ببساطة يجب أن يكون هذا السؤال في ذهن أي شخص: هل أي اتفاق تعقده الولايات المتحدة، مع صديق أو عدو، سينجو من المنعطفات الخطيرة؟”.
كتب ستيوارت إم باتريك، مدير المؤسسات الدولية وبرنامج الحوكمة العالمية في مجلس العلاقات الخارجية، ملاحظة مماثلة في مجلة World Politics Review:
“ألقى عهد ترامب بظلال من الشك على بقاء الولايات المتحدة كقوة عالمية، وشجع الحلفاء المقربين في أوروبا وآسيا على التحوط من رهاناتهم ضد أمريكا المتقلبة فجأة، ودمر ما تبقى من الإجماع الدولي بين الحزبين، فالديمقراطيون والجمهوريون يختلفون دائماً بشأن السياسة الخارجية.
كما قال كونداني إن انتخابات عام 2016 كانت أولى الصدمات، لأنه مثل معظم الأمريكيين، لم يتوقع معظم حلفاء الولايات المتحدة أن يتم انتخاب نجم سابق في تلفزيون الواقع ليس لديه أي خبرة سياسية لإدارة البلاد.
وتوالت الصدمات لحلفاء الولايات المتحدة، حيث هاجم الرئيس السابق(ترامب) حلف شمال الأطلسي وحاول بناء علاقات أوثق مع كل من بيونغ يانغ وموسكو. لكن الصدمة الكبرى التالية جاءت في عام 2018، عندما سحب ترامب بلاده من خطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة باسم الاتفاق النووي الإيراني. كما انسحبت واشنطن في عهد ترامب من ما لا يقل عن 13 اتفاقية ومنظمة وحتى معاهدة دولية رئيسية بطرق بدت تعسفية ومتقلبة للحلفاء.
لذلك، ومع اقتراب انتخابات عام 2020، نظر هؤلاء الحلفاء إلى التصويت على أنه إشارة من شأنها أن تشير إلى أن إدارة ترامب كانت انحرافاً أو مؤشراً على حدوث نوع من التغيير الدائم داخل الولايات المتحدة.
ومع فوزه في عام 2020 ، كان بايدن حريصاً على العمل لعودة الولايات المتحدة إلى مكانتها السابقة في قيادة العالم. لكن العديد من حلفاء الولايات المتحدة تلقوا رسالة مختلفة تماماً عن نتيجة الانتخابات.
صحيح أن بايدن فاز بالرئاسة بأكثر من 81 مليون صوت، وهو أكبر عدد حصل عليه مرشح رئاسي. لكن ترامب لا يزال يحصل على أكثر من 74 مليون صوت، ثاني أكبر عدد يتم الإدلاء به لمرشح رئاسي، وأكثر من 11 مليون صوت أكثر مما حصل عليه قبل أربع سنوات.
يقول كونداني: “كما يصر بايدن على عودة أمريكا فإن الأوروبيين يرون شيئاً مختلفاً تماماً، فهم يرون أن أمريكا بلد منقسم بشدة وبكل المقاييس”. ولهذا عواقب وخيمة على كيفية تعامل الدول الأخرى مع الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بالتخطيط بعيد المدى.
ستكون شراكة إعادة بناء عالم أفضل تحدياً رئيسياً لإدارة بايدن.
إن حمل الدول على التوقيع على مليارات الدولارات في ترتيبات تمويل طويلة الأجل ستؤثر على تنميتها لعقود قادمة وسيعتمد على اعتقادها بأن البرنامج سيبقى موجوداً عندما لا يكون بايدن في البيت الأبيض.
قالت بودين، مديرة معهد دراسة الدبلوماسية في جامعة جورج تاون، إنها توقعت أن الحلفاء الذين أبرموا اتفاقيات متعددة الأطراف مع الولايات المتحدة سيصرون على وجود “بنود انسحاب محددة بدقة”، على الرغم من أن إدارة ترامب، كما أشارت، تجاهلت التزامات الانسحاب في الاتفاق النووي الإيراني.
وقالت إنها تتوقع أن يتم تنظيم الاتفاقات الدولية بطريقة تهدف إلى إبقائها مستمرة بعد خروج محتمل للولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الدول الأخرى بدأت بالفعل في تعديل الصفقات مع غياب الولايات المتحدة.
بعد انسحاب ترامب من اتفاقية باريس للمناخ في عام 2020 ، صوتت الدول المتبقية على الوفاء بالتزاماتها. وعندما انسحبت الولايات المتحدة من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ في الأيام الأولى لرئاسة ترامب، مضت الاقتصادات الرئيسية في المنطقة قدماً، ورحبت في الاتفاقية بأكبر منافس إقليمي لواشنطن وهو الصين.
فبايدن وبالرغم من أنه يتمتع بعلاقات شخصية جيدة مع القادة في جميع أنحاء العالم إلا أنه لا يستطيع السيطرة على الأحزاب شديدة الاستقطاب التي تبطل التزامات بعضها البعض، فالمشكلة ليست مصداقية جو بايدن”، قالت بودين “إنها مصداقية نظامنا السياسي”.
كما أشارت بودين إلى قول وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، عندما وصفت الولايات المتحدة بأنها “الأمة التي لا غنى عنها”، قائلة إن المشكلة الآن هي أن الولايات المتحدة التي لا تستطيع إقناع الدول الأخرى بأخذ التزاماتها على محمل الجد يمكن أن “تتحول من دولة لا غنى عنها إلى دولة غير جديرة بالثقة”.
المصدر: Voice Of America